أسباب مقتله - رضي الله عنه -
1 - وشاية الخوارج لعزل عمرو بن العاص من الحرب
وكان السبب في ذلك أن عمرو بن العاص حين عزله عثمان عن مصر وولى عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح . وكان سبب ذلك أن الخوارج من المصريين كانوا محصورين من عمرو بن العاص ، مقهورين معه لا يستطيعون أن يتكلموا بسوء في خليفة ولا أمير ، فما زالوا يعملون عليه حتى شكوه إلى عثمان ؛ لينزعه عنهم ويولي عليهم من هو ألين منه ، فلم يزل ذلك دأبهم حتى عزل عمرا عن الحرب وتركه على الصلاة ، وولى على الحرب والخراج عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، ثم سعوا فيما بينهما بالنميمة فوقع بينهما ، حتى كان بينهما كلام قبيح ، فأرسل عثمان فجمع لابن أبي سرح جميع عمالة مصر ؛ خراجها وحربها وصلاتها ، وبعث إلى عمرو يقول له : لا خير لك في المقام عند من يكرهك ، فاقدم إلي . فانتقل عمرو بن العاص إلى المدينة وفي نفسه من عثمان أمر عظيم ، وشر كبير ، فكلمه فيما كان من أمره بنفس ، وتقاولا في ذلك ، وافتخر عمرو بن العاص بأبيه على أبي عثمان ، وأنه كان أعز منه ، فقال له عثمان : دع هذا فإنه من أمر الجاهلية . وجعل عمرو بن العاص يؤلب الناس على عثمان
وكان بمصر جماعة يبغضون عثمان ويتكلمون فيه بكلام قبيح وينقمون عليه في عزله جماعة من علية الصحابة ، وتوليته من دونهم أو من لا يصلح عندهم للولاية . وكره أهل مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح بعد عمرو بن العاص ، واشتغل عبد الله بن سعد عنهم بقتال أهل المغرب وفتحه بلاد البربر والأندلس وإفريقية .ونشأ بمصر طائفة من أبناء الصحابة يؤلبون الناس على حربه والإنكار عليه ، وكان عظم ذلك مسندا إلى محمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حذيفة ، حتى استنفرا نحوا من ستمائة راكب يذهبون إلى المدينة في صفة معتمرين في شهر رجب ؛ لينكروا على عثمان ، فساروا إليها تحت أربع رفاق ، وأمر الجميع إلى أبي عمرو بن بديل بن ورقاء الخزاعي ، وعبد الرحمن بن عديس البلوي ، وكنانة بن بشر التجيبي ، وسودان بن حمران السكوني ، وأقبل معهم محمد بن أبي بكر ، وأقام بمصر محمد بن أبي حذيفة يؤلب الناس ويدافع عن هؤلاء ، وكتب عبد الله بن سعد بن أبي سرح إلى عثمان يعلمه بقدوم هؤلاء القوم إلى المدينة منكرين عليه في صفة معتمرين ، فلما اقتربوا من المدينة أمر عثمان علي بن أبي طالب أن يخرج إليهم ؛ ليردهم إلى بلادهم قبل أن يدخلوا المدينة
2 - تحريض عمار بن ياسر علي عثمان لشيء في نفسه منه - رضي الله عنهما -
. ويقال : بل ندب الناس إليهم فانتدب علي ، رضي الله عنه ، لذلك فبعثه وخرج معه جماعة الأشراف وأمره أن يأخذ معه عمار بن ياسر ، فقال علي لعمار فأبى عمار أن يخرج معه ، فبعث عثمان سعد بن أبي وقاص أن يذهب إلى عمار ليحرضه على الخروج مع علي إليهم ، فأبى عمار كل الإباء ، وامتنع أشد الامتناع ، وكان متغضبا على عثمان بسبب تأديبه له على أمر ، وضربه إياه في ذلك ، وذلك بسبب شتمه عباس بن عتبة بن أبي لهب ، فأدبهما عثمان ، فتآمر عمار عليه لذلك ، وجعل يحرض الناس عليه ، فنهاه سعد بن أبي وقاص عن ذلك ولامه عليه فلم يقلع عنه ولم يرجع ولم ينزع ، فانطلق علي بن أبي طالب إليهم وهم بالجحفة ، وكانوا يعظمونه ويبالغون في أمره ، فردهم وأنبهم وشتمهم ، فرجعوا على أنفسهم بالملامة ، وقالوا : هذا الذي تحاربون الأمير بسببه ، وتحتجون عليه به . ويقال : إنه ناظرهم في عثمان ، وسألهم ماذا ينقمون عليه ؟ فذكروا أشياء :
منها أنه حمى الحمى
وأنه حرق المصاحف
وأنه أتم الصلاة
وأنه ولى الأحداث الولايات
وترك الصحابة الأكابر ، وأعطى بني أمية أكثر من الناس ، وغيرها
وللرد علي هذه المزاعم ( سنفرد له مقال خاص
كيف واجه عثمان - رضي الله عنه - هذه الوشايات؟
روي أن عثمان خطب الناس بهذا كله بمحضر من الصحابة ، وجعل يستشهد بهم فيشهدون له فيما فيه شهادة له . ويروى أنهم بعثوا طائفة منهم فشهدوا خطبة عثمان هذه ، فلما تمهدت الأعذار وانزاحت عللهم ولم يبق لهم شبهة أشار جماعة من الصحابة على عثمان بتأديبهم ، فصفح عنهم وتركهم ، رضي الله عنه ، وردهم إلى قومهم ، فرجعوا خائبين من حيث أتوا ولم ينالوا شيئا مما كانوا أملوا وراموا
مشورة عليََ - إلي عثمان بقول خطبة أمام الناس - رضي الله عنهما -
رجع عليإ لىعثمان فأخبره برجوعهم عنه وسماعهم منه ، وأشار على عثمان أن يخطب الناس خطبة يعتذر إليهم فيها مما كان وقع من الأثرة لبعض أقاربه ، ويشهدهم عليه بأنه قد تاب من ذلك ، وأناب إلى الاستمرار على ما كان عليه من سيرة الشيخين قبله ، وأنه لا يحيد عنها كما كان الأمر أولا في مدة ست سنين الأول ، فاستمع عثمان هذه النصيحة ، وقابلها بالسمع والطاعة ، ولما كان يوم الجمعة وخطب الناس ، رفع يديه في أثناء الخطبة ، وقال : اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك ، اللهم إني أول تائب مما كان مني . وأرسل عينيه بالبكاء فبكى المسلمون أجمعون وحصل للناس رقة شديدة على إمامهم ، وأشهدعثمانالناس على نفسه بذلك ، وأنه قد لزم ما كان عليه الشيخانأبو بكروعمر ،رضي الله عنهما ، وأنه قد سبل بابه لمن أراد الدخول عليه ، لا يمنع أحدا من ذلك ، ونزل فصلى بالناس ، ثم دخل منزله وجعل من أراد الدخول على أمير المؤمنين لحاجة أو مسألة أو سؤال ، لا يمنع أحد من ذلك مدة
نصيحة علي لعثمان بأن يسترضي الناس في خُطبة - رضي الله عنهما -
قال الواقدي فحدثني علي بن عمر عن أبيه قال : ثم إن عليا جاء عثمان بعد انصراف المصريين فقال له : تكلم كلاما يسمعه الناس منك ويشهدون عليك ، ويشهد الله على ما في قلبك من النزوع والإنابة ، فإن البلاد قد تمخضت عليك ، ولا آمن ركبا آخرين يقدمون من قبل الكوفة فتقول : يا علي اركب إليهم . ويقدم آخرون من البصرة فتقول : يا علي اركب إليهم . فإن لم أفعل قطعت رحمك واستخففت بحقك ؟! قال : فخرج عثمان فخطب الخطبة التي نزع فيها ، وأعلم الناس من نفسه التوبة فقام
خُطبة عثمان - رضي الله عنه - استرضاء للقلوب المتقلبة عليه
فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : أما بعد ، أيها الناس ، فوالله ما عاب من عاب شيئا أجهله ، وما جئت شيئا إلا وأنا أعرفه ، ولكن ضل رشدي ، ولقد سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول : من زل فليتب ، ومن أخطأ فليتب ، ولا يتمادى في الهلكة ، إن من تمادى في الجور كان أبعد عن الطريق . فأنا أول من اتعظ ، أستغفر الله مما فعلت وأتوب إليه ، فمثلي نزع وتاب ، فإذا نزلت فليأتني أشرافكم ، فوالله لأكونن كالمرقوق ، إن ملك صبر ، وإن عتق شكر ، وما عن الله مذهب إلا إليه . قال : فرق الناس له وبكى من بكى ، وقام إليه سعيد بن زيد فقال : يا أمير المؤمنين ، الله الله في نفسك فأتمم على ما قلت
فلما انصرف عثمان إلى منزله وجد به جماعة من أكابر الناس ، وجاءه مروان بن الحكم
فقال : أتكلم يا أمير المؤمنين أم أصمت ؟ فقالت امرأة عثمان - نائلة بنت الفرافصة الكلبية - من وراء الحجاب : بل اصمت ، فوالله إنهم لقاتلوه ، ولقد قال مقالة لا ينبغي له النزوع عنها . فقال لها : وما أنت وذاك فوالله لقد مات أبوك وما يحسن يتوضأ . فقالت له : دع ذكر الآباء . ونالت من أبيه الحكم ، فأعرض عنها مروان ، وقال لعثمان : يا أمير المؤمنين أتكلم أم أصمت ؟ فقال له عثمان : بل تكلم . فقال مروان : بأبي أنت وأمي لوددت أن مقالتك هذه كانت وأنت ممتنع منيع ، فكنت أول من رضي بها وأعان عليها ، ولكنك قلت ما قلت حين بلغ الحزام الطبيين ، وخلف السيل الزبى ( مثل يضرب إذا اشتد الامر)، وحين أعطى الخطة الذليلة الذليل ، والله لإقامة على خطيئة يستغفر منها ، خير من توبة تخوف عليها ، وإنك لو شئت لعزمت التوبة ولم تقرر لنا بالخطيئة ، وقد اجتمع إليك على الباب مثل الجبال من الناس . فقال عثمان : فاخرج إليهم فكلمهم ، فإني أستحي أن أكلمهم . قال : فخرج مروان إلى الباب والناس يركب بعضهم بعضا ، فقال : ما شأنكم ؟ كأنكم قد جئتم لنهب ، شاهت الوجوهكل إنسان آخذ بأذن صاحبه ، ألا من أريد ؟ جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا ، اخرجوا عنا ، أما والله لئن رمتمونا ليمرن عليكم أمر يسوءكم ولا تحمدوا غبه ، ارجعوا إلى منازلكم ، فوالله ما نحن مغلوبين على ما بأيدينا . قال : فرجع الناس ، وخرج بعضهم حتى أتى عليا فأخبره الخبر
موقف علي ابن أبي طالب من مقالة عثمان - رضي الله عنهما
فجاء علي مغضبا حتى دخل على عثمان فقال : أما رضيت من مروان ولا رضي منك إلا بتحويلك عن دينك وعقلك ، وإن مثلك مثل جمل الظعينة ( الهودج) سار حيث يسار به ، والله ما مروان بذي رأي في دينه ولا نفسه ، وايم الله إني لأراه سيوردك ثم لا يصدرك ، وما أنا بعائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك ، أذهبت شرفك ، وغلبت على أمرك . فلما خرج علي دخلت نائلة على عثمان فقالت : أتكلم أو أسكت ؟ فقال : تكلمي . فقالت : سمعت قول علي أنه ليس يعاودك ، وقد أطعت مروان حيث شاء . قال : فما أصنع ؟ قالت : تتقي الله وحده لا شريك له ، وتتبع سنة صاحبيك من قبلك ، فإنك متى أطعت مروان قتلك ، ومروان ليس له عند الله قدر ولا هيبة ولا محبة ، فأرسل إلى علي فاستصلحه ، فإن له قرابة منك وهو لا يعصى . قال : فأرسل عثمان إلى علي فأبى أن يأتيه ، وقال : لقد أعلمته أني لست بعائد . قال : وبلغ مروان قول نائلة فيه ، فجاء إلى عثمان فقال : أتكلم أو أسكت ؟ فقال : تكلم . فقال : إن نائلة بنت الفرافصة ، فقال عثمان : لا تذكرها بحرف فأسوء لك وجهك ، فهي والله أنصح لي منك . قال : فكف مروان .
ثانياً: حصاره - رضي الله عنه -
لما وقع ما وقع يوم الجمعة ، وشج أمير المؤمنين عثمان وهو في رأس المنبر ، وسقط مغشيا عليه ، واحتمل إلى داره ، تفاقم الأمر وطمع فيه أولئك الأجلاف الأخلاط من الناس وألجئوه إلى داره وضيقوا عليه ، وأحاطوا بها محاصرين له ، ولزم كثير من الصحابة بيوتهم ، وسار إليه جماعة من أبناء الصحابة عن أمر آبائهم ; منهم الحسن والحسين ، وعبد الله بن الزبير - وكان أمير الدار - وعبد الله بن عمر ، وصاروا يجاحفون عنه ، ويناضلون دونه أن يصل إليه أحد منهم ، وأسلمه بعض الناس رجاء أن يجيب أولئك إلى واحدة مما سألوا ، فإنهم كانوا قد طلبوا منه إما أن يعزل نفسه أو يسلم إليهم مروان بن الحكم ، ولم يقع في خلد أحد أنه يقتل ، إلا ما كان في نفس أولئك الخارجين عليه .
من الذي كان يصلي بالناس عند انقطاع عثمان عن المسجد ؟
كان عثمان - رضي الله عنه - لا يخرج إليه إلا قليلا في أوائل الأمر ، ثم انقطع بالكلية في آخره ، وكان يصلي بالناس في هذه الأيام الغافقي بن حرب . وقد استمر الحصار أكثر من شهر . وقيل : أربعين يوما وروى الواقدي أن عليا صلى أيضا ، وصلى ابو أيوب وصلى بهم سهل بن حنيف ، وكان يجمع بهم علي ، وهو الذي صلى بهم بعد .
مناشدة عثمان بن عفان - رضي الله عنه - للمسلمين بمآثره في أول عهد الإسلام
قال الإمام أحمد : حدثنا بهز ، ثنا أبو عوانة ، ثنا حصين عن عمرو بن جاوان قال : قال الأحنف : انطلقنا حجاجا فمررنا بالمدينة ، فبينما نحن في منزلنا إذ جاءنا آت فقال : الناس في المسجد . فانطلقت أنا وصاحبي فإذا الناس مجتمعون على نفر في المسجد قال : فتخللتهم حتى قمت عليهم ، فإذا علي بن أبي طالب والزبير وطلحة وسعد بن أبي وقاص ، قال : فلم يكن ذلك بأسرع من أن جاء عثمان يمشي ، فقال : هاهنا علي ؟ قالوا : نعم . قال : أهاهنا الزبير ؟ قالوا : نعم . قال : أهاهنا سعد ؟ قالوا : نعم . قال : أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أتعلمون أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال : من يبتاع مربد بني فلان غفر الله له فابتعته فأتيت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فقلت : إني قد ابتعته . فقال : " اجعله في مسجدنا وأجره لك " ؟ قالوا : نعم . قال : أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو ، أتعلمون أن رسول ، صلى الله عليه وسلم ، قال : من يبتاع بئر رومة فابتعتها بكذا وكذا ، فأتيت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فقلت : إني قد ابتعتها - يعني بئر رومة - فقال : اجعلها سقاية للمسلمين ولك أجرها " ؟ قالوا : نعم . قال : أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أتعلمون أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، نظر في وجوه القوم يوم جيش العسرة فقال : من يجهز هؤلاء غفر الله له فجهزتهم حتى ما يفقدون خطاما ولا عقالا ؟ قالوا : اللهم نعم . فقال : اللهم اشهد ، اللهم اشهد ، اللهم اشهد . ثم انصرف . ورواه
النسائي من حديث حصين
رواية أخري
قالعبد الله بن أحمد: حدثنيعبيد الله بن عمر القواريري ،حدثني القاسم بن الحكم بن أوس الأنصاري ،حدثنيأبو عبادة الزرقي الأنصاري ،منأهل المدينة، عنزيد بن أسلم ،عن أبيه قال : شهدت عثمان يوم حصر في موضع الجنائز ، ولو ألقي حجر لم يقع إلا على رأس رجل ، فرأيتعثمانأشرف من الخوخة التي تلي مقامجبريل ،فقال : أيها الناس أفيكمطلحة ؟فسكتوا . ثم قال : أيها الناس أفيكمطلحة ؟فسكتوا . ثم قال : أيها الناس أفيكمطلحة ؟فقامطلحة بن عبيد الله ،فقال لهعثمان: ألاأراك هاهنا ؟ ما كنت أرى أنك تكون في جماعة قوم تسمع ندائي آخر ثلاث مرات ثم لا تجيبني ، أنشدك الله ياطلحة ،تذكر يوم كنت أنا وأنت مع رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في موضع كذا وكذا ، ليس معه أحد من أصحابه غيري وغيرك - فقال : نعم - فقال لك رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : ياطلحةإنه ليس من نبي إلا ومعه من أصحابه رفيق من أمته معه في الجنة ، وإنعثمان بن عفانهذا - يعنيني - رفيقي في الجنة ؟ . فقالطلحة: اللهم نعم . ثم انصرف لم يخرجوه .
رواية أخري
قال عبد الله بن أحمد : حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ، ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، ثنا هلال بن حق ، عن الجريري ، عن ثمامة بن حزن القشيري ، قال : شهدت الدار يوم أصيب عثمان ، فاطلع عليهم اطلاعة ، فقال : ادعوا لي صاحبيكم اللذين ألباكم علي ، فدعيا له فقال : أنشدكما الله ، أتعلمان أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، لما قدم المدينة ضاق المسجد بأهله ، فقال : من يشتري هذه البقعة من خالص ماله فيكون فيها كالمسلمين وله خير منها في الجنة ؟ . فاشتريتها من خالص مالي فجعلتها بين المسلمين ، وأنتم تمنعوني أن أصلي فيه ركعتين ! ثم قال : أنشدكم الله أتعلمون أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، لما قدم المدينة لم يكن فيها بئر يستعذب منه إلا بئر رومة ، فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : من يشتريها من خالص ماله فيكون دلوه فيها كدلاء المسلمين ، وله خير منها في الجنة ؟ فاشتريتها من خالص مالي وأنتم تمنعوني أن أشرب منها ! ثم قال : هل تعلمون أني صاحب جيش العسرة ؟ قالوا : اللهم نعم . وقد رواه الترمذي عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي وعباس الدوري وغير واحد . وأخرجه النسائي عن زياد بن أيوب . كلهم عن سعيد بن عامر ، عن يحيى بن أبي الحجاج المنقري ، عن سعيد الجريري به . وقال الترمذي حسن . رواية أخري
قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، ثنا القاسم - يعني ابن الفضل - ثنا عمرو بن مرة ، عن سالم بن أبي الجعد قال : دعا عثمان رجالا من أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فيهم عمار بن ياسر ، فقال : إني سائلكم وإني أحب أن تصدقوني ، نشدتكم الله ، أتعلمون أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، كان يؤثر قريشا على سائر الناس ، ويؤثر بني هاشم على سائر قريش ؟ فسكت القوم ، فقال عثمان : لو أن بيدي مفاتيح الجنة لأعطيتها بني أمية حتى يدخلوا من عند آخرهم . فبعث إلى طلحة والزبير ، فقال عثمان : ألا أحدثكما عنه - يعني عمارا - أقبلت مع رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، آخذا بيدي نتمشى في البطحاء حتى أتى على أبيه وأمه وعليه يعذبون ، فقال أبو عمار : يا رسول الله ، الدهر هكذا ؟ فقال له النبي ، صلى الله عليه وسلم : " اصبر " . ثم قال : " اللهم اغفر لآل ياسر وقد فعلت " . تفرد به أحمد ، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب . رواية أخري
قال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن سليمان ، سمعت مغيرة بن مسلم أبا سلمة يذكر عن مطر ، عن نافع ، عن ابن عمر أن عثمان أشرف على أصحابه وهو محصور فقال : علام تقتلوني ؟ فإني سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث ؛ رجل زنى بعد إحصانه فعليه الرجم ، أو قتل عمدا فعليه القود ، أو ارتد بعد إسلامه فعليه القتل . فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام ، ولا قتلت أحدا فأقيد نفسي منه ، ولا ارتددت منذ أسلمت ؛ إني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله . ورواه النسائي ، عن أحمد بن الأزهر ، عن إسحاق بن سليمان به . رواية أخري
قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، ثنا حماد بن زيد ، ثنا يحيى بن سعيد ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال : كنت مع عثمان في الدار وهو محصور ، قال : وكنا ندخل مدخلا إذا دخلناه سمعنا كلام من على البلاط ، قال : فدخل عثمان يوما لحاجة ، فخرج إلينا منتقعا لونه ، فقال : إنهم ليتوعدوني بالقتل آنفا . قال : قلنا : يكفيكهم الله يا أمير المؤمنين . قال : فقال : وبم يقتلوني ؟ فإني سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث ؛ رجل كفر بعد إسلامه ، أو زنى بعد إحصانه ، أو قتل نفسا بغير نفس . فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام قط ، ولا تمنيت بدلا بديني مذ هداني الله له ، ولا قتلت نفسا ، فبم يقتلوني ؟ . وقد رواه أهل السنن الأربعة " من حديث حماد بن زيد ، عن يحيى بن سعيد ، عن أبي أمامة - زاد النسائي : وعبد الله بن عامر بن ربيعة - قالا : كنا مع عثمان . فذكره . وقال الترمذي : حسن ، وقد رواه حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد فرفعه . رواية أخري
قال الإمامأحمد: حدثناقطن ،حدثنايونس- يعنيابن أبي إسحاق- عن أبيه ، عنأبي سلمة بن عبد الرحمن ،قال : أشرفعثمانمن القصر وهو محصور ، فقال : أنشد بالله من شهد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يوم حراء ، إذ اهتز الجبل فركله بقدمه ، ثم قال : اسكن حراء ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد ، وأنا معه. فانتشد له رجال . قال : أنشد بالله من شهد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يوم بيعة الرضوان ، إذ بعثني إلى المشركين إلىأهل مكةفقال : " هذه يدي وهذه يدعثمان" فبايع لي ؟ فانتشد له رجال . قال : أنشد بالله من شهد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال من يوسع لنا بهذا البيت في المسجد ببيت في الجنة ؟ فابتعته من مالي فوسعت به المسجد ؟ فانتشد له رجال . قال : وأنشد بالله من شهد رسول الله يوم جيش العسرة قال : من ينفق اليوم نفقة متقبلة ؟ . فجهزت نصف الجيش من مالي ؟ فانتشد له رجال . وأنشد بالله منشهد رومة يباع ماؤها ابن السبيل ، فابتعتها من مالي فأبحتها ابن السبيل ؟ قال : فانتشد له رجال . ورواهالنسائي ،عنعمران بن بكار ،عنخطاب بن عثمان ،عنعيسى بن يونس بن أبي إسحاق ،عن أبيه ، عن جدهأبي إسحاق السبيعيبه
وفي رواية
أنهم طلبوا منه أن يعزل نوابه عن الأمصار ويولي عليها من يريدون هم ، وإن لم يعزل نفسه ، أن يسلم لهممروان بن الحكمفيعاقبوه كما زور علىعثمانكتابه إلىمصر. فخشيعثمانإن سلمه إليهم أن يقتلوه ، فيكون سببا في قتل امرئ مسلم ، وما فعل من الأمر ما يستحق بسببه القتل ، واعتذر عن الاقتصاص مما قالوا بأنه رجل ضعيف البدن كبير السن . وأما ما سألوه من خلعه نفسه فإنه لا يفعل ولا ينزع قميصا قمصه الله إياه ، ويترك أمةمحمديعدو بعضها على بعض ، وقال لهم فيما قال : وأي شيء إلي من الأمر إن كنت كلما كرهتم أميرا عزلته ، وكلما رضيتم عنه وليته ؟ وقال لهم فيما قال : والله لئن قتلتموني لا تتحابوا بعدي أبدا ، ولا تصلوا جميعا أبدا ، ولا تقاتلوا بعدي عدوا جميعا أبدا . وقد صدق ، رضي الله عنه فيما قال
وقد ذكر ابن جرير أن عثمان ، رضي الله عنه
لما رأى ما فعله هؤلاء الخوارج من أهل الأمصار ، من محاصرته في داره ، ومنعه الخروج إلى المسجد كتب إلى معاوية بالشام ، وإلى ابن عامر بالبصرة ، وإلى أهل الكوفة ، يستنجدهم في بعث جيش يطردون هؤلاء من المدينة ، فبعث معاوية حبيب بن مسلمة ، وانتدب يزيد بن أسد القسري في جيش ، وبعث أهل الكوفة جيشا ، وأهل البصرة جيشا ، فلما سمع أولئك بخروج الجيوش إليهم صمموا في الحصار ، فما اقترب الجيوش إلى المدينة حتى جاءهم قتل عثمان ، رضي الله عنه
وذكر ابن جرير أن عثمان استدعى الأشتر النخعي
ووضعت لعثمان وسادة في كوة من داره ، فأشرف على الناس فقال له عثمان : يا أشتر ماذا يريدون ؟ فقال : إنهم يريدون منك إما أن تعزل نفسك عن الإمرة ، وإما أن تقيد من نفسك من قد ضربته ، أو جلدته ، أو حبسته ، وإما أن يقتلوك .
وقال الإمام أحمد
حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، ثنا معاوية بن صالح ، عن ربيعة بن يزيد ، عن عبد الله بن أبي قيس ، حدثني النعمان بن بشير قال : كتب معي معاوية إلى عائشة كتابا فدفعت إليها كتابه ، فحدثتني أنها سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول لعثمان : إن الله لعله يقمصك قميصا فإن أرادك أحد على خلعه فلا تخلعه ثلاث مرات . قال النعمان : فقلت يا أم المؤمنين ، فأين كنت عن هذا الحديث ؟ فقالت : يا بني ، والله أنسيته . وقد رواه الترمذي من حديث الليث ، عن معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد ، عن عبد الله بن عامر ، عن النعمان ، عن عائشة به . ثم قال : هذا حديث حسن غريب . ورواه ابن ماجه من حديث الفرج بن فضالة ، عن ربيعة بن يزيد ، عن النعمان فأسقط عبد الله بن عامر قال الإمام أحمد
حدثنا يحيى بن إسماعيل ، ثنا قيس ، عن أبي سهلة ، عن عائشة قالت : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " ادعوا لي بعض أصحابي " . قلت : أبو بكر ؟ قال : " لا " . قلت : عمر ؟ قال : " لا " . قلت : ابن عمك علي ؟ قال : " لا " . قالت : قلت : عثمان ؟ قال : " نعم " . فلما جاء قال : تنحي . فجعل يساره ولون عثمان يتغير . فلما كان يوم الدار وحصر فيها قلنا : يا أمير المؤمنين ألا تقاتل ؟ قال : لا ؛ إن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، عهد إلي عهدا وإني صابر نفسي عليه . تفرد به أحمد . وقال محمد بن عائذ الدمشقي
حدثنا الوليد بن مسلم ، ثنا عبد الله بن لهيعة ، عن يزيد بن عمرو أنه سمع أبا ثور الفهمي يقول : قدمت على عثمان فبينا أنا عنده فخرجت فإذا بوفد أهل مصر قد رجعوا فدخلت على عثمان فأعلمته ، فقال : وكيف رأيتهم ؟ فقلت : رأيت في وجوههم الشر ، وعليهم ابن عديس البلوي ، فصعد ابن عديس منبر رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فصلى بهم الجمعة وتنقص عثمان في خطبته ، فدخلت على عثمان فأخبرته بما قام فيهم ، فقال : كذب والله ابن عديس ، ولولا ما ذكر ما ذكرت ذلك ، إني لرابع أربعة في الإسلام ، ولقد أنكحني رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ابنته ، ثم توفيت ، فأنكحني ابنته الأخرى ، والله ولا زنيت ولا سرقت في جاهلية ولا إسلام ، ولا تعتيت ولا تمنيت منذ أسلمت ، ولا مسست فرجي بيميني منذ بايعت بها رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ولقد جمعت القرآن على عهد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ولا أتت علي جمعة إلا وأنا أعتق فيها رقبة منذ أسلمت ، إلا أن لا أجدها في تلك الجمعة فأجمعها في الجمعة الثانية . ورواه يعقوب بن سفيان عن عبد الله بن أبي بكر عن ابن لهيعة قال : لقد اختبأت عند ربي عشرا فذكرهن .
إلي متي استمر حصاره - رضي الله عنه - ؟
كان الحصار مستمرا من أواخر ذي القعدة إلى يوم الجمعة الثامن عشر من ذي الحجة
رؤيا عثمان ودلالتها علي اقتراب أجله - رضي الله عنه وأرضاه -
فلما كان قبل ذلك بيوم ، قال عثمان للذين عنده في الدار من أبناء المهاجرين والأنصار - وكانوا قريبا من سبعمائة ؛ فيهم عبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير ، والحسن ، والحسين ، ومروان ، وأبو هريرة ، وخلق من مواليه ، ولو تركهم لمنعوه ، فقال لهم : أقسم على من لي عليه حق أن يكف يده ، وأن ينطلق إلى منزله . وعنده من أعيان الصحابة وأبنائهم جم غفير . وقال لرقيقه : من أغمد سيفه فهو حر . فبرد القتال من داخل الدار ، وحمي من خارج ، واشتد الأمر وكان سبب ذلك أن عثمان رأى في المنام رؤيا دلت على اقتراب أجله ، فاستسلم لأمر الله رجاء موعوده ، وشوقا إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وليكون خير ابني آدم حيث قال حين أراد أخوه قتله : إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين [ المائدة : 29 ] . وروي أن آخر من خرج من عند عثمان من الدار بعد أن عزم عليهم في الخروج ، الحسن بن علي وقد جرح ، وكان أمير الحرب على أهل الدار عبد الله بن الزبير ، رضي الله عنهم . قال أبو جعفر الرازي
عن أيوب السختياني ، عن نافع ، عن ابن عمر أن عثمان ، رضي الله عنه ، أصبح يحدث الناس قال : رأيت النبي ، صلى الله عليه وسلم ، في المنام فقال : " يا عثمان أفطر عندنا " . فأصبح صائما وقتل من يومه . وقال سيف بن عمر
عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ، عن رجل قال : دخل عليه كثير بن الصلت ، فقال : يا أمير المؤمنين ، اخرج فاجلس بالفناء ، فيرى وجهك ، فإنك إن فعلت ارتدعوا . فضحك ، وقال : يا كثير رأيت البارحة وكأني دخلت على نبي الله ، صلى الله عليه وسلم ، وعنده أبو بكر وعمر ، فقال : " ارجع فإنك مفطر عندي غدا " . ثم قال عثمان : ولن تغيب الشمس والله غدا - أو كذا وكذا - إلا وأنا من أهل الآخرة . قال : فوضع سعد وأبو هريرة السلاح ، وأقبلا حتى دخلا على عثمان . وقال موسى بن عقبة
حدثني أبو علقمة - مولى لعبد الرحمن بن عوف - حدثني ابن الصلت ، قال : أغفى عثمان بن عفان في اليوم الذي قتل فيه فاستيقظ فقال : لولا أن يقول الناس : تمنى عثمان أمنية لحدثتكم . قال : قلنا أصلحك الله ، حدثنا فلسنا نقول ما يقول الناس . فقال : إني رأيت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في منامي هذا فقال : " إنك شاهد معنا الجمعة " . وقال ابن أبي الدنيا
حدثنا أبو عبد الرحمن القرشي ، ثنا خلف بن تميم ، ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر البجلي ، ثنا عبد الملك بن عمير ، حدثني كثير بن الصلت ، قال : دخلت على عثمان وهو محصور فقال لي : يا كثير ، ما أراني إلا مقتولا يومي هذا . قال : قلت : ينصرك الله على عدوك يا أمير المؤمنين . قال : ثم أعاد علي فقلت : وقت لك في هذا اليوم شيء ، أو قيل لك شيء ؟ قال : لا ، ولكني سهرت في ليلتي هذه الماضية ، فلما كان عند السحر أغفيت إغفاءة ، فرأيت فيما يرى النائم رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وأبا بكر وعمر ، ورسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول لي : يا " عثمان الحقنا لا تحبسنا ، فإنا ننتظرك " . قال : فقتل من يومه ذلك
وقال ابن أبي الدنيا
حدثنا إسحاق بن إسماعيل ثنا يزيد بن هارون ، عن فرج بن فضالة ، عن مروان بن أبي أمية عن عبد الله بن سلام قال : أتيت عثمان لأسلم عليه وهو محصور ، فدخلت عليه فقال : مرحبا بأخي ، رأيت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، الليلة في هذه الخوخة - قال : وخوخة في البيت - فقال : " يا عثمان حصروك ؟ " . قلت : نعم . قال : " عطشوك ؟ " . قلت : نعم . فأدلى دلوا فيه ماء فشربت حتى رويت ، حتى إني لأجد برده بين ثديي بين كتفي ، وقال لي: " إن شئت نصرت عليهم وإن شئت أفطرت عندنا " . فاخترت أن أفطر عنده . فقتل ذلك اليوم . وقال محمد بن سعد
ثنا محمد بن عمر ، أنا عفان بن مسلم ، ثنا وهيب ، ثنا داود عن زياد بن عبد الله ، عن أم هلال بنت وكيع ، عن امرأة عثمان - قال : وأحسبها بنت الفرافصة - قالت : أغفى عثمان فلما استيقظ قال : إن القوم يقتلونني . قلت : كلا يا أمير المؤمنين . قال : إني رأيت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وأبا بكر وعمر فقالوا : " أفطر عندنا الليلة " . أو : " إنك تفطر عندنا الليلة " . وقال الهيثم بن كليب
حدثنا عيسى بن أحمد العسقلاني ، ثنا شبابة ، ثنا يحيى بن أبي راشد مولى عمر بن حريث ، عن محمد بن عبد الرحمن الجرشي ، وعقبة بن أسيد ، عن النعمان بن بشير ، عن نائلة بنت الفرافصة الكلبية - امرأة عثمان - قالت : لما حصر عثمان ظل اليوم الذي كان قبل قتله صائما ، فلما كان عند إفطاره سألهم الماء العذب ، فأبوا عليه وقالوا: دونك ذلك الركي - وركي في الدار الذي يلقى فيه النتن - قالت : فلم يفطر ، فأتيت جارات لنا على أجاجير متواصلة - وذلك في السحر - فسألتهم الماء العذب فأعطوني كوزا من ماء ، فأتيته فقلت : هذا ماء عذب أتيتك به . قالت : فنظر فإذا الفجر قد طلع فقال : إني أصبحت صائما . قالت : فقلت : ومن أين ولم أر أحدا أتاك بطعام ولا شراب ؟ فقال : إني رأيت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، اطلع علي من هذا السقف ومعه دلو من ماء فقال : " اشرب يا عثمان " . فشربت حتى رويت ثم قال : " ازدد " . فشربت حتى نهلت ثم قال : " أما إن القوم سيبكرون عليك ، فإن قاتلتهم ظفرت ، وإن تركتهم أفطرت عندنا " . قالت : فدخلوا عليه من يومه فقتلوه . وقال أبو يعلى الموصلي
وعبد الله بن الإمام أحمد : حدثني عثمان بن أبي شيبة ، ثنا يونس بن أبي يعفور العبدي ، عن أبيه ، عن مسلم أبي سعيد مولى عثمان بن عفان ، أن عثمان أعتق عشرين مملوكا ، ودعا بسراويل فشدها ولم يلبسها في جاهلية ولا إسلام ، وقال : إني رأيت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في المنام وأبا بكر وعمر وإنهم قالوا لي : " اصبر فإنك تفطر عندنا القابلة " . ثم دعا بمصحف فنشره بين يديه ، فقتل وهو بين يديه . قلت : إنما لبس السراويل ، رضي الله عنه ، في هذا اليوم لئلا تبدو عورته إذا قتل ; فإنه كان شديد الحياء ، كانت تستحيي منه الملائكة ، كما نطق بذلك النبي ، صلى الله عليه وسلم . ووضع بين يديه المصحف يتلو فيه ، واستسلم لقضاء الله ، عز وجل ، وكف يده عن القتال ، وأمر الناس وعزم عليهم أن لا يقاتلوا دونه ، ولولا عزيمته عليهم لنصروه من أعدائه ، ولكن كان أمر الله قدرا مقدورا . وقال هشام بن عروة ، عن أبيه : إن عثمان ، رضي الله عنه ، أوصى إلى الزبير . وقال الأصمعي عن العلاء بن الفضل عن أبيه قال : لما قتل عثمان فتشوا خزائنه فوجدوا فيها صندوقا مقفلا ، ففتحوه فوجدوا فيه حقة فيها ورقة مكتوب فيها : هذه وصية عثمان : بسم الله الرحمن الرحيم ، عثمان بن عفان يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن الجنة حق ، وأن النار حق ، وأن الله يبعث من في القبور ، ليوم لا ريب فيه ، إن الله لا يخلف الميعاد ، عليها يحيا وعليها يموت ، وعليها يبعث إن شاء الله تعالى .
مما سبق لنا عدة وقفات
1 - ليس عيب أن يكون الإنسان رفيق إلي آخر قطرة في عمره حتي مع أبشع الناس التي تتمني له الشر ، هل كان ذنب عثمان - رضي الله عنه وأرضاه - أنه غفر لمن حاصروه ولم يأخذهم بالقوة؟ حتي كانت نهايته علي أيديهم ، بالطبع لا، هو أراد أن يلقي الله بقلب سليم، وهم أرادوا أن يستحوذوا علي الدنيا ، ويلطخوا أيديهم بواحد ممن كانت الجنة تنتظره .
2 - مناشدتهم بالله وتعدد مناقبه - رضي الله عنه - لم تكن في موضعها حيث ثار الناس ، والناس إذا ثارت عمت ، فالموقف كانت يحتمل طريق آخر للحل، ولكنهال أقدار مقدورة ، فنحن نمثل فقط أقدارنا لكنها مكتوبة منذ الأزل .
3 - رؤيته في المنام ليلة استشهاده - رضي الله عنه - بأنه يفطر من صيامه عند رسول الله وأصحابه ، هذه تكفيه ، لمن يشككون في إرسالات السماء بعد ختم الرسالة ، هذه هي الرحمات المرسلة من السماء إلي الأرض لمن يستحق في الوقت الذي يقدره الله - تعالي - هل سنشكك أيضاً في صدقه - رضي الله عنه ، هذه شهادة السماء ببراءته من غضب الله عليه، وإن عضب البشر .
الروابط
https://islamstory.com/ar/artical/19941/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%81%D8%A7%D8%B9_%D8%B9%D9%86_%D8%B9%D8%AB%D9%85%D8%A7%D9%86_%D8%A8%D9%86_%D8%B9%D9%81%D8%A7%D9%86
Comments