top of page

الفتوحات الإسلامية في عهد عثمان بن عفان

فتح أرمينية

توغَّل المسلمون في الربوع الأرمينية في عهد عثمان بن عفان؛ إذ إنَّ الحملات الإسلامية المتواترة ضد بلاد الأرمن كانت تسير وفق خطةٍ عسكريةٍ محكمة، وموضوعةٍ مسبقًا بهدف فتح هذه البلاد وضمِّها إلى الأملاك الإسلامية ونشر الإسلام في ربوعها، ونجح المسلمون بقيادة مسلمة بن حبيب الفهري في بسط سلطانهم على أودية نهر الرس، ونهر الفرات، وصادفوا مقاومةً في تفليس، والمناطق الجبلية المرتفعة خاب أمل الأرمن في بيزنطة التي عجزت عن الدفاع عنهم وحمايتهم، واضطر القائد الأرميني تيودور الرشتوني -الذي تخلَّت بيزنطة عنه بسبب ميوله المذهبية المعادية وموقفه السابق من القائد الإمبراطوري بروكوبيوس في معركة ساراكين- إلى إجراء مفاوضات منفردة مع المسلمين انتهت إلى التسوية التالية:

- يعترف المسلمون باستقلال الأقاليم الأرمينية.

- يعترف الأرمن بسيادة المسلمين عليهم بالشروط نفسها التي سبق للفرس أن مارسوا بها سيادتهم على أرمينية.

- يُعيِّن المسلمون حاكمًا أرمينيًّا عامًّا على أرمينية.

- يضع الأرمن فرقة عسكرية تعدادها خمسة عشر ألف جنديٍّ بتصرف المسلمين

- عدم فرض جزية على أرمينية لمدَّة سبع سنوات.

- يُقدِّم الأرمن فدية خلال مدَّة الاتفاق التي تُركت مفتوحة تتناسب مع قدرتهم الاقتصادية، وذلك ضمانًا لبقاء استقلالهم، وفعلًا دفعوا للدولة الإسلامية مبلغًا رمزيًّا مقداره خمسمائة دينار

- يُقدِّم الأرمن قوةً عسكريةً قوامها خمسة عشر ألف مقاتل تُساعد القوات الإسلامية في حروبها مع أعدائها باستثناء جبهة بلاد الشام.

- يُعيِّن المسلمون على بلاد الأرمن حاكمًا أرمينيًّا.

- لا يأوي الأرمن عدوًّا للمسلمين، ولا يُساعدونه.

- يتعهد المسلمون بمساعدة الأرمن إذا تعرَّضوا لغزوٍ بيزنطي

ماذا فعلت بيزنطة ( إسطنبول حاليا ) حيال هذا الإتفاق مع المسلمين؟

الذي سلخ أرمينية عن التبعيَّة البيزنطيَّة، لذلك قاد الإمبراطور البيزنطي قنسطانز الثاني في عام "34هـ/ 654م" جيشًا بيزنطيًّا كثيفًا بلغ تعداده مائة ألف مقاتل إلى الأراضي الأرمينية، بهدف إعادة البلاد إلى الحظيرة البيزنطية، ولمـَّا وصل إلى ترجان تلقَّى الإمبراطور البيزنطي إنذارًا إسلاميًّا بعدم دخول الأراضي الأرمينية، لكن الإمبراطور لم يعر الإنذار التفاتةً جدية، واستمرَّ في زحفه حتى وصل إلى ثيودوبوليس "أرضروم"، وعسكر فيها واستقبل عددًا كبيرًا من الإقطاعيين وحكام المناطق الأرمينية الذين ساءهم الانسلاخ عن البيزنطيين وتخلوا عما تعهدوا به لتيودور الرشتوني، وكذلك فعل البطريرك الذي تنصَّل أمام الإمبراطور من الاتفاق مع المسلمين، وتبرَّأ مما فعله القائد الأرميني المذكور، تشجع الإمبراطور البيزنطي بهذا التغيير الولائي من جانب قادة الأرمن، فدخل الأراضي الأرمينية، وعزل تيودور الرشتوني، وعيَّن هامازسب ماميكونيان مكانه، وراح يعمل على توحيد أرمينية تحت قيادته وسلطته

معركة ذات الصواري ضد البيزنطيين لإستعادة أرمينيا ونتائجها

ما أحرزه المسلمون من انتصار في معركة ذات الصواري، لم يترتب عليه نتائج مباشرة وحاسمة في الصراع بينهم وبين البيزنطيين، بالإضافة إلى ما تعرَّضت له الدولة الإسلامية من مشكلات تفاقمت عقب مقتل الخليفة عثمان بن عفان في عام "35هـ/ 656م"، ممَّا دفع معاوية بن أبي سفيان إلى عقد صلح مع البيزنطيين في عام "38هـ/ 659م"، وقد تأثَّر وضع أرمينية بهذا الاتفاق من واقع استئناف الأسر الأرمينية الإقطاعية صلاتها بالبيزنطيين، وانحسار النفوذ الإسلامي عن هذه البلاد، وعودة النفوذ البيزنطي علي الأراضي الأرمينية.

فتح طرابلس الشام

استطاع البيزنطيون في عام "23هـ/ 644م" أن يستعيدوا بعض مدن بلاد الشام الساحلية، وأن يتمسكوا بها مدَّة عامين، منها بيروت وجبيل، وقد ساعدهم في ذلك كثرة عدد أفراد الجالية البيزنطية الموجودة في طرابلس، وهي المدينة التي بقيت تحت السيطرة البيزنطية حتى ذلك الوقت، وقد تحصَّن بها البيزنطيون الذين فرُّوا من المدن الساحلية الأخرى التي فتحها المسلمون.الواقع أنَّه تضافرت ثلاثة عوامل دفعت المسلمين إلى فتح طرابلس ( سياسية واقتصادية وعسكرية)

الناحية السياسية

كان لا بُدَّ من إحكام السيطرة الإسلامية على مدن الساحل الشامي، ولا يتمُّ ذلك إلا بفتح طرابلس آخر المعاقل البيزنطية على هذا الساحل

الناحية الاقتصادية

تُشكِّل طرابلس منفذًا بحريًّا هامًّا لبلاد الشام، وثغرًا لدمشق وحمص

الناحية العسكرية

كانت طرابلس قاعدةً بيزنطيةً مهمة، راحت تُهدِّد مكتسبات المسلمين من واقع مهاجمة الثغور البحرية الإسلامية، والمعروف أنَّ البيزنطيين كانوا لا يزالون متفوقين بحرًا على المسلمين، ولهم أساطيلهم البحرية التي تجوب عباب البحر المتوسط، وبقي الساحل الشامي عرضةً لهجماتهم، كما أنَّ المدينة كانت محاطة بالمدن الإسلامية من ثلاث جهات؛ عرقة في الشمال، وجبيل في الجنوب، وبعلبك في الشرق.

أحداث حصار وفتح طرابلس الشام

بعد أن حصل معاوية بن أبي سفيان على موافقة الخليفة عثمان بن عفان بغزو الجزر البحرية، أرسل سفيان بن مجيب الأزدي -والي بعلبك- إلى طرابلس على رأس جيشٍ كبيرٍ لفتحها في خطوةٍ ضروريةٍ لتحقيق الهدف الأساسي، وكانت المدينة تتكون من ثلاث مدن مجتمعة من اللسان الرومي الداخل في البحر، وبها ثلاثة حصون، وعسكر في مشارفها في مرج السلسلة عند سفح جبل تربل شمال شرق المدينة على بعد خمسة أميال منها، وراح يُهاجم البيزنطيين، إلا إنه فشل في تحقيق أيِّ تقدم؛ وذلك لسببين:

الأوَّل

إنَّ المدينة كانت منيعة بتحصيناتها، وإنَّه من الصعب محاصرتها وفتحها دون الاستناد إلى قاعدةٍ قريبةٍ ثابتة ينطلق منها

الثاني

كان سكان طرابلس يتلقون إمدادات تموينية من بيزنطة عن طريق البحر، ممَّا يجعل أمر الحصار طويلًا وشاقًّا ودون حسم

يبدو أنَّ سفيان بن مجيب الأزدي أدرك هذه الصعاب

فكتب إلى معاوية بن أبي سفيان يطلب منه الرأي والمشورة

فأجابه: "أن ابن لك ولعسكرك حصنًا يأوون إليه ليلًا، ويغزونهم نهارًا، نفَّذ سفيان بن مجيب الأزدي ما أشار عليه معاوية بن أبي سفيان فانتقل من المرج، وعبر النهر إلى ضفته الغربية، واختار مكانًا ملائمًا يبعد عن المدينة مسافة ميلين، وبنى فيه حصنًا عُرف باسمه، وراح يُشدِّد ضغطه على المدينة، ووضع حراسًا على الشواطئ المحيطة بها لمراقبة البيزنطيين لمنع الإمدادت عنها، فاضطر سكانها إلى الانتقال إلى الحصن الغربي عند رأس الميناء وتحصنوا به، وراحوا يُفكرون جديًّا بالنجاة بأنفسهم وقد يئسوا من طول مدَّة الحصار التي امتدت أشهرًا، وبخاصَّةٍ أنَّ المؤن قد نفذت منهم، كما عجزوا عن الخروج للتصدي للقوات الإسلامية، ولم يُنقذهم من هذا الوضع الحرج سوى وصول بواخر بيزنطية نقلتهم ليلًا وخفية إلى الجزر القريبة الواقعة تحت السيطرة البيزنطية، وهكذا أضحت المدينة خالية ممن يحميها أو يُدافع عنها فدخلها المسلمون وسيطروا عليها.

تعمير طرابلس الشام

اهتمَّ معاوية بن أبي سفيان بتعمير طرابلس الشام بعد فرار سكانها، فأرسل إليها جماعةً من يهود الأردن وأسكنهم في حصنها، ولم يسكن طرابلس الشام غيرهم لبضع سنوات يبدو أنَّ معاوية بن أبي سفيان أدرك أنَّ اليهوم قومٌ لا همَّ لهم إلا تأمين مصالحهم الخاصَّة، وأنَّ كثيرًا منهم خانوا البيزنطيين وعملوا عيونًا للمسلمين مقابل إعفائهم من الجزية ومنحهم الأراضي ، كما أنَّهم اشتهروا بالأعمال التجارية التي كان معاوية بن أبي سفيان يعمل على تنشيطها مع بلدان البحر المتوسط، لذلك أسكن اليهود في مدينة طرابلس، ثُمَّ استقدم الفرس من الداخل وأنزلهم فيها أيضًا.

كان عثمان بن عفان قد أمر معاوية بن أبي سفيان

بتحصين السواحل وشحنها، وإقطاع من يُنزله إيَّاها قطائع ففعل والمعروف أنَّ المسلمين كانوا يخشون الإقامة في الثغور الساحلية المعرضة دائمًا لغارات البيزنطيين، لذلك واجه معاوية بن أبي سفيان صعابًا في إغراء المسلمين على الرغم من أنَّه وزَّع الأراضي عليهم، واضطر أخيرًا إلى إسكانها بخليطٍ غير مسلم، كما أذن لبعض البيزنطيين بالإقامة فيها بعد أن استأمنهم وكان يشحنها في كلِّ عامٍ بفرقٍ من الجند المسلمين ليُدافعوا عنها ضدَّ غارات البيزنطيين، وولَّى عليها عاملًا من قبله.

فتح جزيرة قبرص

كانت قبرص ولايةً بيزنطيةً عاصمتها قنسطنطيا "سلاميس القديمة"، ويدين سكان قبرص بالعقيدة النصرانية الأرثوذكسية منذ عام 431م، وقد صهرت الكنيسة شعب جزيرة قبرص وجعلت منه وحدةً اجتماعيةً ودينيةً وثقافية، كما أنَّ الروابط القديمة القوية بين رجال الدين والسكان خلقت نوعًا من الشعور بالتضامن الاجتماعي في ظلِّ سمةٍ قائمةٍ على مدار العصور المتتالية التي خضعت فيها الجزيرة للسيادة الأجنبية، وعندما فتح المسلمون الثغور البحرية أضحت الثغور البحرية عرضةً لهجمات البيزنطيين المنطلقين من الجزر القريبة، ونظرًا لأن الصراع العسكري بين المسلمين والبيزنطيين كان بأحد وجهيه بحريًّا، أدرك معاوية بن أبي سفيان أهمية بناء أسطول إسلامي بهدف:

- الدفاع عن السواحل

- غزو الجزر البحرية المواجهة لساحل بلاد الشام

- الدفاع عن المناطق الداخلية المفتوحة

- استمرار العلاقات التجارية الخارجية مع دول البحر المتوسط، وبخاصَّةٍ أنَّ هذا البحر كان لا يزال تحت قبضة البيزنطيين

تنفيذًا لهذا المخطط كتب إلى عمر بن الخطاب

يطلب منه السماح بركوب البحر وغزو الجزر القريبة من ساحل بلاد الشام لكنَّ الخليفة لم يأذن له؛ إذ "كان يكره أن يُحمل المسلمين غزاةً فيه"، وكتب إليه بترميم حصون الثغور البحرية، وترتيب المقاتلة فيها، وإقامة الحرس على مناظرها، واتخاذ المواقيد لها لحمايتها من غارات البيزنطيين.

هذا وقد حدث في أواخر أيام عمر بن الخطاب وأوائل عهد عثمان بن عفان

أن استعاد البيزنطيون بعض المدن الساحلية، كما استردُّوا مدينة الإسكندرية، فأدرك معاوية بن أبي سفيان أنَّه لا بُدَّ من إنشاء أسطولٍ إسلاميٍّ للتصدي للخطر البيزنطي، وفتح الجزر البحرية التي ينطلق منها العدو، واتخاذها قواعد انطلاق لغزو القسطنطينية وهو الهدف الأسمى للمسلمين، ونجح معاوية بن أبي سفيان في إقناع عثمان بن عفان بركوب البحر، وسمح له بغزو قبرص على أن يحمل معه امرأته فاختة بنت قرظة وولده، حتى يعلم أنَّ البحر هيِّنٌ كما صوَّره له، وأمره بعدم إجبار الناس على الركوب معه إلا من اختار الغزو طائعًا

بداية إنشاء أول اسطول إسلامي
فور الحصول على موافقة الخليفة عثمان بن عفان، قرَّر معاوية بن أبي سفيان

إصلاح المراكب التي استولى عليها المسلمون من البيزنطيين، وتقريبها إلى ساحل حصن عكَّا الذي أمر بترميمه، كما رمَّم ثغر صور، وكتب معاوية بن أبي سفيان إلى أهل السواحل بالاستعداد لغزو قبرص التي اختارها هدفًا عسكريًّا لنشاط الأسطول الإسلامي؛ بفضل وضعها الجغرافي المتميز آنذاك كقاعدةٍ لغزو القسطنطينية.

خرج معاوية بن أبي سفيان على رأس حملته الأولى على جزيرة قبرص في عام "28هـ/ 649م"، وتألَّف الأسطول الإسلامي من مائةٍ وعشرين مركبًا بقيادة عبد الله بن قيس، وخرج معه جمعٌ من الصحابة منهم أبو ذر الغفاري، وعبادة بن الصامت، وزوجته أم حرام، والمقداد بن الأسود وغيرهم

صادف الأسطول الإسلامي - وهو في طريقه إلى قبرص

بعض المراكب البيزنطية المحمَّلة بالهدايا، وقد بعث بها ملك قبرص إلى الإمبراطور قنسطانز الثاني، فاستولى المسلمون عليها، وعندما وصل الأسطول الإسلامي إلى قبرص رسا على ساحلها، وأغار الجنود المسلمون على نواحيها، وغنموا الكثير من أهلها، واضطر ملك قبرص في ظلِّ عجزه عن المقاومة إلى طلب الصلح، فصالحه معاوية بن أبي سفيان على أن:

- يُؤدِّي أهل الجزيرة جزيةً سنويةً مقدارها سبعة آلاف دينار، كما يُؤدُّون للبيزنطيين مثلها، وليس للمسلمين أن يحولوا بينهم وبين ذلك.

- يمتنع المسلمون عن غزو الجزيرة، ولا يُقاتلون عن أهلها من أرادهم من ورائهم

- يُعلم أهلُ الجزيرة المسلمين بتحركات البيزنطيين المعادية لهم

- يُعيِّن المسلمون على أهل الجزيرة بطريقًا منهم

لكنَّ الدواعي العسكرية دفعته إلى تغيير تفكيره بعد ذلك

وذلك في عام "32هـ/ 653م"، حين ساعد أهلُ الجزيرة البيزنطيين في حربهم ضدَّ المسلمين، وأعطوهم بعض المراكب من أجل ذلك، فنقضوا الصلح المبرم بينهم وبين المسلمين، ممَّا حمل معاوية بن أبي سفيان على غزو الجزيرة للمرَّة الثانية في عام "33هـ/ 654م" ففتحها عنوة، وأخذ السبي منها وأقرَّ أهلها على صلحهم، وعمد إلى تمصيرها واستقرار المسلمين فيها، فبعث إليها اثني عشر ألفًا من أهل الديوان المكتتبين فبنوا بها المساجد، كما نقل إليها جماعة من أهل بعلبك، وبنى بها مدينة، وأقاموا يُعطون الأعطيات إلى أن تُوفي معاوية بن أبي سفيان

غزو الجزر البحرية

تتابعت الغارات الإسلامية على جزر البحر المتوسط، مثل: أرواد وكوس ورودس، وهي التي تتحكم في المضائق البحرية، وبدأ المسلمون بجزيرة أرواد قرب ساحل بلاد الشام بين طرابلس وجبلة أمام مدينة أنطرطوس، وقد هاجمتها الحملة الأولى العائدة من قبرص، ونزل الجنود المسلمون على أرض الجزيرة، لكنَّ أهلها اعتصموا بالقلعة، فلم تُفتح أرواد إلا في عام "29هـ/ 650م" في الوقت نفسه التي فُتحت فيه جزيرة كوس، غير أنَّ البلاذري يذكر أنَّ جزيرة أرواد فُتحت في عام "54هـ/ 674م" على يد جنادة بن أبي أمية، وأسكنها معاوية بن أبي سفيان المسلمين، والواقع أنَّ الحملات البحرية كانت تتوالى على هذه الجزر، ولم يتسن للمسلمين إخضاعها في حملةٍ واحدةٍ أو عامٍ واحد.

غزو إفريقية

كان عمرو بن العاص قد أمَّن حدود مصر الغربية بفتح برقة صلحًا في عام "22هـ/ 643م"، وفتح طرابلس الغرب عنوة في العام التالي، وفي عام "27هـ/ 648م" ولي مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح فاستأنف عمليات الفتوح، وكان البيزنطيون يُسيطرون على إفريقية، فأرسل سراياه إلى أطراف هذه البلاد، ثُمَّ استأذن عبدالله بن سعد بن أبي سرح عثمان بن عفان بغزوها فأذن له، وأرسل إليه مددًا بقيادة الحارث بن الحكم، وخرج عبد الله بن سعد بن أبي سرح على رأس جيشٍ كثيفٍ قاصدًا قرطاجنة، وهي مركز تجمعات الجيوش البيزنطية بقيادة جرجيوس، فلمَّا علم القائد البيزنطي بزحف المسلمين حشد جيشًا مؤلَّفًا من مائةٍ وعشرين ألف مقاتل، واصطدم بهم في مكانٍ يبعد عن سبيطلة يومًا وليلة، وتبادل الطرفان النصر والهزيمة

غزو بلاد النوبة

بعد عودة عبد الله بن سعد بن أبي سرح من إفريقية قام بغزو بلاد النوبة فبلغ عاصمتها دنقلة، وذلك في عام "31هـ/ 652م"، واصطدم بأهلها في قتالٍ شديد إلا إنَّه لم يتمكن من فتحها فهادنهم وعقد صلحًا معهم، وهو أشبه بمعاهدةٍ اقتصاديةٍ بين مصر وبلاد النوبة، فتمدُّ مصر هذه البلاد بالحبوب والعدس، ويُرسل النوبيون الدقيق إلى مصر.

وصل معاوية بن أبي سيفان بقواته إلى قيصرية في كبادوكيا بآسيا الصغرى

في حين كانت السفن الإسلامية تقترب من مياه الدولة البيزنطية عند الساحل الجنوبي لآسيا الصغرى، ومن جهته خرج الإمبراطور البيزنطي من عاصمته على رأس أسطوله الذي تراوح عدد سفنه بين خمسمائةٍ وألف، بحيث "لم يجتمع للروم مثله قط منذ كان الإسلام"التقى الأسطول الإسلامي والأسطول البيزنطي قرب شاطئ ليكيا عند ميناء فوينكس في "شهر محرم عام 34هـ= شهر يوليو عام 654م"، وخشي المسلمون من أن تكون الغلبة لعدوهم؛ إذ هالهم الأسطول البيزنطي، ولم يكن قد سبق لهم أن خاضوا معركةً بحريةً ضدَّ أسطولٍ ضخمٍ كهذا، وقد عبَّر أحد المقاتلين المسلمين -وهو مالك بن أوس بن الحدثان- عندما شاهد ضخامة الأسطول البيزنطي بقوله: "فالتقينا في البحر، فنظرنا إلى مراكبٍ ما رأينا مثلها قط"

التقى الأسطول الإسلامي والأسطول البيزنطي قرب شاطئ ليكيا عند ميناء فوينكس

في "شهر محرم عام 34هـ= شهر يوليو عام 654م"، وخشي المسلمون من أن تكون الغلبة لعدوهم؛ إذ هالهم الأسطول البيزنطي، ولم يكن قد سبق لهم أن خاضوا معركةً بحريةً ضدَّ أسطولٍ ضخمٍ كهذا، وقد عبَّر أحد المقاتلين المسلمين -وهو مالك بن أوس بن الحدثان- عندما شاهد ضخامة الأسطول البيزنطي بقوله: "فالتقينا في البحر، فنظرنا إلى مراكبٍ ما رأينا مثلها قط"

أجرى المسلمون اتصالًا مع البيزنطيين قبل بدء القتال

وعرضوا عليهم أن يكون القتال على الساحل، وإن شاءوا فالبحر، ففضَّلوا القتال في الماء لثقتهم بقدرتهم القتالية في البحر من جهة، ونظرتهم إلى المسلمين على أنهم بدو يُجيدون ركوب الجِمال والقتال في البر من جهةٍ أخرىنفذ الإمبراطور البيزنطي الذي قاد المعركة بنفسه خطة ذكية لإنهاك المسملين بأن دفعهم لرمي البيزنطيين بالسهام والقسي حتى نفدت ذخيرتهم، ولم يُحاول الاقتراب بسفنه من السفن الإسلامية، فاضطر المسلمون بقذفهم بالرماح والحجارة، عند هذه المرحلة من أحداث المعركة اطمأنَّ الإمبراطور البيزنطي على سلامة وضعه العسكري، وظنَّ أنَّ الانتصار بات من نصيبه، وأنَّ البيزنطيين لن يحتاجوا إلا إلى هجمةٍ واحدةٍ حتى يُحطِّموا الأسطول الإسلامي، وردَّد قوله: "غلبت الروم"

لكنَّ المسلمين غيَّروا خطة القتال

عندما نفدت ذخيرتهم، فربطوا سفنهم إلى بعضها، واصطفوا على ظهورها متسلِّحين بالسيوف والخناجر، وقذفوا السفن البيزنطية بالخطاطيف والكلاليب وجذبوها إليهم، وبذلك تحولت ظهور السفن إلى ميدان قتال، فحوَّلوا بذلك المعركة البحرية إلى معركة أقرب ما تكون إلى المعارك البرية، وأمام هذا التغيير السريع والمفاجئ في سير المعركة ارتبكت القيادة البيزنطية وفقدت السيطرة على عوامل الانتصار، بل أيقن الإمبراطور حينئذٍ بأنَّ الهزيمة ستحلُّ بقوَّاته من واقع أنَّ المسلمين أكثر ثباتًا في قتالٍ من هذا النوع، استغلَّ المسلمون تضعضع القوَّة الميدانية للبحرية البيزنطية، والفوضى التي بدت في صفوف البيزنطيين؛ حيث كانوا "يقاتلون على غير صفوف"، فوثبوا إلى السفن البيزنطية وقاتلوا البيزنطيين قتالًا شديدًا وانتصروا عليهم، وأُصيب الإمبراطور بجراح وفرَّ من مكان المعركة، التقى الأسطول الإسلامي والأسطول البيزنطي قرب شاطئ ليكيا عند ميناء فوينكس

أمَّا تسمية المعركة بذات الصواري

فتعود على الأرجح إلى كثرة عدد صواري السفن التي اشتركت في المعركة، على الرغم ممَّا يُستدلُّ من رواية الطبري بأنَّ ذات الصواري اسمٌ للمكان الذي جرت فيه المعركة

نتائج معركة ذات الصواري

- أكد هذا الانتصار قوة المسلمين البحرية النامية، وقارن المؤرخون بينها وبين معركة اليرموك البرية.

- تُعدُّ هذه المعركة من المعارك الحاسمة في التاريخ الوسيط؛ لأنَّها حوَّلت العلاقات الإسلامية البيزنطية نحو اتجاهٍ جديدٍ في الحوض الشرقي للبحر المتوسط؛ إذ إنَّها عُدَّت المدخل الذي أطلَّ منه المسلمون على العالم الوسيط كقوةٍ بحريةٍ منافسةٍ في المنطقة.

- تخلَّى الإمبراطور البيزنطي قنسطانز ومن جاء بعده من الأباطرة عن فكرة طرد المسلمين من الأراضي التي فتحوها في شرق البحر المتوسط، والاكتفاء بتأمين الدفاع عن الأراضي البيزنطية في الجبهة الجنوبية من آسيا الصغرى.

- أفاد هذا التغيير في الخطط العسكرية البيزنطية الدولة الإسلامية في وقتٍ دخلت فيه في دور من القلق والنزاع الداخلي بسبب مقتل عثمان بن عفان، والحرب الأهلية بين عليِّ بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان؛ حيث ساد الهدوء العلاقات العسكرية بين الجانبين.

- أضاعت هذه المعركة آخر فرص البيزنطيين لاستعادة مواقعهم في بلاد الشام ومصر؛ حيث كان اعتمادهم على التفوق البحري.

الرابط

2 views0 comments

Recent Posts

See All

أيوب بن حبيب اللخمي

الألقاب أيوب بن حبيب اللخمي، هو خامس الولاة الأمويين في الأندلس، وابن أخت أول ولاتها موسى بن نصير من هو؟ أيوب بن حبيب اللخمي ( 716 – 716...

عبد العزيز بن موسى بن نصير

يعتبر بدايه ولايه عبد العزيز بن موسى بن نصير هي ميلاد عصر الولاه، عبد العزيز بن موسى بن نصير، هو أول ولاة الأندلس، في إسپانيا والپرتغال...

Comments

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating
bottom of page