top of page

سورة المجادلة


الوصف العام للسورة
السورة

مدنية


رقم السورة

58 -

عدد آياتها

22

لما سميت بهذا الإسم؟

نزلت هذه الآيات الكريمات في رجل من الأنصار اشتكته زوجته [ إلى الله، وجادلته ] إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حرمها على نفسه، بعد الصحبة الطويلة، والأولاد، وكان هو رجلا شيخا كبيرا، فشكت حالها وحاله إلى الله وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكررت ذلك، وأبدت فيه وأعادت، وهي بذلك كانت تجادل رسول الله - صلي الله عليه وسلم- عن حياتها الأسرية أن تنفك .

ما هو الظِهار ؟

أن يقول الرجل لزوجته: « أنت علي كظهر أمي » أو غيرها من محارمه، أو « أنت علي حرام » وكان المعتاد عندهم في هذا لفظ « الظهر » ولهذا سماه الله « ظهارا »

شرح الآيات الكريمات

بسم الله الرحمن الرحيم

قَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوۡجِهَا وَتَشۡتَكِيٓ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسۡمَعُ تَحَاوُرَكُمَآۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ (1)

أي: أن الله - تعالي - سمع تخاطبكما فيما بينكما، ( إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ ) لجميع الأصوات، في جميع الأوقات، على تفنن الحاجات.


يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قَدْ سَمِعَ اللّهُ يا محمد قَوْلَ الّتي تجادلُكَ فِي زَوْجِها والتي كانت تجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم في زوجها امرأة من الأنصار.

واختلف أهل العلم في نسبها واسمها

فقال بعضهم: خولة بنت ثعلبة, وقال بعضهم: اسمها خُوَيلة بنت ثعلبة.

وقال آخرون

هي خويلة بنت خويلد.

وقال آخرون

هي خويلة بنت الصامت

وقال آخرون

هي خويلة ابنة الدليج

وكانت مجادلتها رسول الله صلى الله عليه وسلم في زوجها, وزوجها أوس بن الصامت, مراجعتها إياه في أمره, وما كان من قوله لها: أنتِ عليّ كظهر أمي. ومحاورتها إياه في ذلك, وبذلك قال أهل التأويل

قصة الجدال

حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا عبد الأعلى, قال: حدثنا أبو داود, قال: سمعت أبا العالية يقول: إن خويلة ابنة الدليج أتت النبيّ صلى الله عليه وسلم وعائشة تغسل شقّ رأسه, فقالت: يا رسول الله, طالت صحبتي مع زوجي, ونفضت له بطني, وظاهَرَ مني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حَرُمْتِ عَلَيْهِ» فقالت: أشكو إلى الله فاقتي, ثم قالت: يا رسول الله طالت صحبتي, ونفضت له بطني, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حَرُمْتِ عَلَيْهِ» فجعل إذا قال لها: «حرمت عليه», هتفت وقالت: أشكو إلى الله فاقتي, قال: فنزل الوحي, وقد قامت عائشة تغسل شقّ رأسه الاَخر, فأومأت إليها عائشة أن اسكتي, قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي أخذه مثل السبات, فلما قضي الوحي, قال: «ادْعي زَوْجَكِ», فَتَلاها عَلَيْهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم: قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الّتِي تجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكي إلى اللّهِ واللّهُ يَسْمَع تَحاوُرَكُما... إلى قوله: والّذِين يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائهِمْ ثُمّ يَعُودُونَ لِمَا قالُوا: أي يرجع فيه فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أن يَتَماسّا أتَسْتَطَيعُ رَقَبَةً؟ قال: لا, قال: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ قال: يا رسول الله, إني إذا لم آكل في اليوم ثلاث مرّات خشيت أن يعشو بصري قال: فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فإطْعَامُ سِتّينَ مِسْكِينا قال: «أتَسْتَطيعُ أنْ تُطْعِمَ سِتّينَ مِسْكِينا؟» قال: لا يا رسول الله إلا أن تعينني, فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعم.

وفي رواية أخري

... عن يوسف بن عبد الله بن سلام, قال: حدثتني خويلة امرأة أوس بن الصامت قالت: كان بيني وبينه شيء, تعنى زوجها, فقال: أنت عليّ كظهر أمي, ثم خرج إلى نادي قومه, ثم رجع فراودني عن نفسي, فقالت: كلا والذي نفسي بيده حتى ينتهي أمري وأمرك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فيقضي فيّ وفيك أمره, وكان شيخا كبيرا رقيقا, فغلبته بما تغلب به المرأة القوية الرجل الضعيف, ثم خرجت إلى جارة لها, فاستعارت ثيابها, فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلست بين يديه, فذكرت له أمره, فما برحت حتى أنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم قالت: لا يقدر على ذلك, قال: «إنا سنعينه على ذلك بفرق من تمر» قلت: وأنا أعينه بفرق آخر, فأطعم ستين مسكينا.

وفي رواية أخري

... فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: «أتَسْتَطِيعُ أنْ تحَرّرَ مُحَرّرا؟ قال: مالي بذلك يدان, أو قال: لا أجد, قال: «أتَسْتَطِيعُ أنْ تَصُومَ شَهْرَيْن مُتَتَابِعَيْنِ؟» قال: لا والله إنه إذا أخطأه المأكل كل يوم مرارا يكلّ بصره, قال: «أتَسْتَطِيعُ أنْ تُطْعِمَ سِتّينَ مِسْكِينا؟» قال: لا والله, إلا أن تعينني منك بعون وصلاة. قال بشر, قال يزيد: يعني دعاء فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعا, فجمع الله له, والله غفور رحيم.

وفي رواية أخري

... ثم قالت: اللهم إنّي أشكو اليوم شدّة حالي ووحدتي, وما يشقّ عليّ من فراقه, اللهم فأنزل على لسان نبيك, فلم تَرِمْ مكانها حتى أنزل الله قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الّتِي تجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكي إلى اللّهِ إلى أن ذكر الكفارات, فدعاه النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «أعْتِقْ رَقَبةً», فقال لا أجد, فقال: «صُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَين» قال: لا أستطيع, إني لأصوم اليوم الواحد فيشقّ عليّ قال: «أطعمْ سِتّينَ مِسْكْينا؟» قال: أما هذا فَنَعَمْ.

وفي رواية أخري

عن ابن عباس, قال: كان ظهار الجاهلية طلاقا, فأول من ظاهر في الإسلام أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت من امرأته الخزرجية, وهي خولة بنت ثعلبة بن مالك فلما ظاهر منها حسبت أن يكون ذلك طلاقا, فأتت به نبيّ الله صلى الله عليه وسلم, فقالت: يا رسول الله إن أوسا ظاهر مني, وإنّا إن افترقنا هلكنا, وقد نثرت بطني منه, وقدمت صحبته فهي تشكو ذلك وتبكي, ولم يكن جاء في ذلك شيء, فأنزل الله عزّ وجلّ: قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الّتِي تجادِلُكَ فِي زَوْجِها... إلى قوله: وَللْكافِرينَ عَذَابٌ ألِيمٌ فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أتَقْدِرُ عَلى رَقَبَةٍ تُعْتقُها؟» فقال: لا والله يا رسول الله, ما أقدر عليها, فجمع له رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أعتق عنه, ثم راجع أهله.


ٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَآئِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَٰتِهِمۡۖ إِنۡ أُمَّهَٰتُهُمۡ إِلَّا ٱلَّٰٓـِٔي وَلَدۡنَهُمۡۚ وَإِنَّهُمۡ لَيَقُولُونَ مُنكَرٗا مِّنَ ٱلۡقَوۡلِ وَزُورٗاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ (2)

يقول تعالى ذكره: الذين يحرّمون نساءهم على أنفسهم تحريم الله عليهم ظهور أمهاتهم, فيقولون لهنّ: أنتن علينا كظهور أمهاتنا, وذلك كان طلاق الرجل امرأته في الجاهلية.

الأقوال في الظِهار في الجاهلية وبعد الإسلام

حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية قال: حدثنا أيوب, عن أبي قلابة, قال: كان الظهار طلاقا في الجاهلية, الذي إذا تكلم به أحدهم لم يرجع في امرأته أبدا, فأنزل الله عزّ وجلّ فيه ما أنزل.

ما هُنّ أمّهاتِهِمْ يقول تعالى ذكره

ما نساؤهم اللائي يُظاهرن منهنّ بأمهاتهم, فيقولوا لهنّ: أنتن علينا كظهر أمهاتنا, بل هنّ لهم حلال.

وقوله: إنْ أُمّهاتُهُمْ إلاّ اللاّئي وَلَدْنَهُمْ لا اللائي قالوا لهنّ ذلك.
وَٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمۡ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مِّن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّاۚ ذَٰلِكُمۡ تُوعَظُونَ بِهِۦۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ (3)
يقول جلّ ثناؤه: والذين يقولون لنسائهم: أنتنّ علينا كظهور أمهاتنا

وقوله: ثُمّ يَعُودُونَ لمَا قالُوا اختلف أهل العلم في معنى العود لما قال المظاهر, فقال بعضهم: هو الرجوع في تحريم ما حرّم على نفسه من زوجته التي كانت له حلالاً قبل تظاهره, فيحلها بعد تحريمه إياها على نفسه بعزمه على غشيانها ووطئها. ذكر من قال ذلك:

عن قتادة ثُمّ يَعُودُونَ لِما قالُوا قال

حرّمها, ثم يريد أن يعود لها فيطأها.

وقال آخرون نحو هذا القول

إلا أنهم قالوا: إمساكه إياها بعد تظهيره منها, وتركه فراقها عود منه لما قال, عَزَم على الوطء أو لم يعزم. وكان أبو العالية يقول: معنى قوله: لِمَا قالُوا: فيما قالوا.

واختلف أهل العربية في معنى ذلك

فقال بعض نحويي البصرة في ذلك المعنى: فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا, فمن لم يجد فصيام, فإطعام ستين مسكينا, ثم يعودون لما قالوا إنا لا نفعله فيفعلونه هذا الظهار, يقول: هي عليّ كظهر أمي, وما أشبه هذا من الكلام, فإذا أعتق رقبة أو أطعم ستين مسكينا عاد لما قد قال: هو عليّ حرام يفعله. وكأن قائل هذا القول كان يرى أن هذا من المقدّم الذي معناه التأخير.

وقال بعض نحويي الكوفة

ثُمّ يَعُودُونَ لِما قالُوا يصلح فيها في العربية: ثم يعودون إلى ما قالوا, وفيما قالوا, يريدون النكاح, يريد: يرجعون عما قالوا, وفي نقض ما قالوا, قال: ويجوز في العربية أن تقول: إن عاد لما فعل, تريد إن فعل مرّة أخرى, ويجوز إن عاد لما فعل: إن نقض ما فعل, وهو كما تقول: حلف أن يضربك, فيكون معناه: حلف لا يضربك, وحلف ليضربنك.

والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال

معنى اللام في قوله لِمَا قالُوا بمعنى إلى أو في, لأن معنى الكلام: ثم يعودون لنقض ما قالوا من التحريم فيحللونه. وإن قيل معناه: ثم يعودون إلى تحليل ما حرّموا, أو في تحليل ما حرّموا فصواب, لأن كلّ ذلك عود له, فتأويل الكلام: ثم يعودون لتحليل ما حرّموا على أنفسهم مما أحله الله لهم.

قبل التماس

َتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أنْ يَمَاسّا يقول: فعليه تحرير رقبة, يعني عتق رقبة عبد أو أمة, من قبل أن يماسّ الرجل المظاهر امرأته التي ظاهر منها أو تماسه.

واختلف في المعنى بالمسيس

في هذا الموضع نظير اختلافهم في قوله: وَإنْ طَلّقْتُمُوهُنّ مِنْ قَبْلِ أنْ تَمَسّوهُنّ وقد ذكرنا ذلك هنالك.

حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس

في قوله: وَالّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمّ يَعُودُونَ لِمَا قالُوا فهو الرجل يقول لامرأته: أنت عليّ كظهر أمي فإذا قال ذلك, فليس يحلّ له أن يقربها بنكاح ولا غيره حتى يكفر عن يمينه بعتق رقبة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا والمسّ: النكاح فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا وإن هو قال لها: أنت عليّ كظهر أمي إن فعلت كذا وكذا, فليس يقع في ذلك طهار حتى يحنث, فإن حنث فلا يقربها حتى يكفّر, ولا يقع في الظهار طلاق.


حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا ابن أبي عديّ, قال: حدثنا أشعث, عن الحسن أنه كان لا يرى بأسا أن يغشى المظاهِرُ دون الفرج ، حدثنا عليّ بن سهل, قال: حدثنا زيد, قال: قال سفيان إنما المظاهرة عن الجماع ولم ير بأسا أن يقضي حاجته دون الفرج أو فوق الفرج, أو حيث يشاء, أو يباشر.

وقال آخرون

عني بذلك كلّ معاني المسيس, وقالوا: الآية على العموم. ذكر من قال ذلك:


{فَمَن لّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسّا فَمَن لّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ }.( 4)
يقول تعالى ذكره

فمن لم يجد منكم ممن ظاهر من امرأته رقبة يحرّرها, فعليه صيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا والشهران المتتابعان هما اللذان لا فصل بينهما بإفطار في نهار شيء منهما إلا من عذر, فإنه إذا كان الإفطار بالعذر ففيه اختلاف بين أهل العلم, فقال بعضهم: إذا كان إفطاره لعذر فزال العذر بنى على ما مضى من الصوم.


وقال آخرون

بل يستأنف, لأن من أفطر بعذر أو غير عذر لم يتابع صوم شهرين. ذكر من قال: إذا أفطر بعذر وزال العذر بنى وكان متابعا

وقال آخرون

أنه قال في رجلٍ صام من كفارة الظهار, أو كفارة القتل, ومرِضَ فأفطر, أو أفطر من عذر, قال: عليه أن يقضيَ يوما مكان يوم, ولا يستقبل صومه.


وآخرون

الذي عليه صوم شهرين متتابعين, فصام شهرا, ثم أفطر, قال: يتمّ ما بقي.

وآخرون

في رجل صام من كفارة الظهار شهرا أو أكثر ثم مرض, قال: يعتدّ بما مضى إذا كان له عذر.

وآخرون

إن أفطر من عذر أتمّ, وإن كان من غير عذر استأنف.

من قال يستقبل من أفطر بعذر أو غير عذر

في رجل عليه صيام شهرين متتابعين فأفطر, قال: يستأنف, والمرأة إذا حاضت فأفطرت تقضي.


وأولى القولين عندنا بالصواب قول من قال

يبني المفطر بعذر, ويستقبل المفطر بغير عذر, لإجماع الجميع على أن المرأة إذا حاضت في صومها الشهرين المتتابعين بعذر, فمثله, لأن إفطار الحائض بسبب حيضها بعذر كان من قِبل الله, فكلّ عذر كان من قبل الله فمثله.

( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ )

رقبة يعتقها، بأن لم يجدها أو [ لم ] يجد ثمنها ( فـ ) عليه ( صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ) الصيام ( فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ) إما بأن يطعمهم من قوت بلده ما يكفيهم، كما هو قول كثير من المفسرين، وإما بأن يطعم كل مسكين مُدَّ بُرٍّ أو نصف صاع من غيره مما يجزي في الفطرة، كما هو قول طائفة أخرى.

ذلك الحكم الذي بيناه لكم، ووضحناه لكم

( لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ) وذلك بالتزام هذا الحكم وغيره من الأحكام، والعمل به، فإن التزام أحكام الله، والعمل بها من الإيمان، [ بل هي المقصودة ] ومما يزيد به الإيمان ويكمل وينمو.


إِنّ الّذِينَ يُحَآدّونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ بَيّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مّهِينٌ } ( 5)

يقول تعالى ذكره: إن الذين يخالفون الله في حدوده وفرائضه, فيجعلون حدودا غير حدوده, وذلك هو المحادّة لله ولرسوله, وأما قتادة فإنه كان يقول في معنى ذلك ما:

عن قتادة, قوله: إنّ الّذِينَ يُحادّونَ الله وَرَسُولَهُ يقول

يعادون الله ورسوله.

معني: كُبِتُوا كمَا كُبِتَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ

خُزوا كما خزي الذين من قبلهم.

وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول

معنى كُبِتُوا أهلكوا.

وقال آخر منهم

يقول: معناه غيظوا وأخزوا يوم الخندق كمَا كُبِتَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يريد من قاتل الأنبياء من قبلهم.


وقد أنزلنا دلالات مفصلات وعلامات محكمات تدلّ على حقائق حدود الله.

واللْكافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ

يقول تعالى ذكره: ولجاحدي تلك الاَيات البيّنات التي أنزلناها على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم, ومنكريها عذاب يوم القيامة مهين: يعني مذلّ في جهنم.

( كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ )

أي: أذلوا وأهينوا كما فعل بمن قبلهم، جزاء وفاقا.

وليس لهم حجة على الله، فإن الله قد قامت حجته البالغة على الخلق، وقد أنزل من الآيات البينات والبراهين ما يبين الحقائق ويوضح المقاصد، فمن اتبعها وعمل عليها، فهو من المهتدين الفائزين، ( وَلِلْكَافِرِينَ ) بها ( عَذَابٌ مُهِينٌ ) أي: يهينهم ويذلهم، كما تكبروا عن آيات الله، أهانهم الله وأذلهم.

( وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) وفي هذه الآيات، عدة أحكام:
منها: لطف الله بعباده واعتناؤه بهم

حيث ذكر شكوى هذه المرأة المصابة، وأزالها ورفع عنها البلوى، بل رفع البلوى بحكمه العام لكل من ابتلي بمثل هذه القضية.

ومنها: أن الظهار مختص بتحريم الزوجة

لأن الله قال ( مِنْ نِسَائِهِمْ ) فلو حرم أمته، لم يكن [ ذلك ] ظهارا، بل هو من جنس تحريم الطعام والشراب، تجب فيه كفارة اليمين فقط.

ومنها: أنه لا يصح الظهار من امرأة قبل أن يتزوجها

لأنها لا تدخل في نسائه وقت الظهار، كما لا يصح طلاقها، سواء نجز ذلك أو علقه.

ومنها: أن الظهار محرم

لأن الله سماه منكرا [ من القول ] وزورا.

ومنها: تنبيه الله على وجه الحكم وحكمته

لأن الله تعالى قال: ( مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ )

ومنها: أنه يكره للرجل أن ينادي زوجته ويسميها باسم محارمه

كقوله « يا أمي » « يا أختي » ونحوه، لأن ذلك يشبه المحرم.

ومنها: أن الكفارة إنما تجب بالعود

لما قال المظاهر، على اختلاف القولين السابقين، لا بمجرد الظهار.

ومنها: أنه يجزئ في كفارة الرقبة

الصغير والكبير والذكر والأنثى، لإطلاق الآية في ذلك.

ومنها: أنه يجب إخراجها

إن كانت عتقا أو صياما قبل المسيس، كما قيده الله. بخلاف كفارة الإطعام، فإنه يجوز المسيس والوطء في أثنائها.

ومنها: أنه لعل الحكمة في وجوب الكفارة قبل المسيس

أن ذلك أدعى لإخراجها، فإنه إذا اشتاق إلى الجماع، وعلم أنه لا يمكن من ذلك إلا بعد الكفارة، بادر لإخراجها.

ومنها: أنه لا بد من إطعام ستين مسكينا

فلو جمع طعام ستين مسكينا، ودفعها لواحد أو أكثر من ذلك، دون الستين لم يجز ذلك، لأن الله قال: ( فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا )


يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ( 6 )

يقول الله تعالى: ( يوم يبعثهم الله ) جميعا « فيقومون من أجداثهم سريعا » فيجازيهم بأعمالهم ( فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا ) من خير وشر، لأنه علم ذلك، وكتبه في اللوح المحفوظ، وأمر الملائكة الكرام الحفظة بكتابته، هذا ( و ) العاملون قد نسوا ما عملوه، والله أحصى ذلك.

( وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) بالظواهر والسرائر، والخبايا والخفايا.

يقول تعالى ذكره: وللكافرين عذاب معين في يوم يبعثهم الله جميعا, وذلك يَوْمَ يَبْعَثُهُمْ اللّهُ جَمِيعا من قبورهم لموقف القيامة فَيُنَبّئُهُمْ الله بِمَا عَمِلُوا أحْصَاهُ اللّهُ وَنَسُوهُ يقول تعالى ذكره: أحصى الله ما عملوا, فعدّه عليهم, وأثبته وحفظه, ونسيه عاملوه والله على كلّ شيء شهيد يقول: وَاللّهُ جلّ ثناؤه على كُلّ شَيْء عملوه وغير ذلك من أمر خلقه شهيد يعني شاهد يعلمه ويحيط به فلا يغرب عنه شيء منه

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( 7 )

ولهذا أخبر عن سعة علمه وإحاطته بما في السماوات والأرض من دقيق وجليل.

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ألم تنظر يا محمد بعين قبلك فترى أنّ اللّهَ يَعْلَمُ ما فِي السّمَوَاتِ وَما فِي الأرْضِ من شيء, لا يخفى عليه صغير ذلك وكبيره يقول جلّ ثناؤه: فكيف يخفى على من كانت هذه صفته أعمال هؤلاء الكافرين وعصيانهم ربهم, ثم وصف جلّ ثناؤه قربه من عباده وسماعه نجواهم, وما يكتمونه الناس من أحاديثهم, فيتحدثونه سرّا بينهم, فقال: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ من خلقه إلاّ هُوَ رَابِعُهُمْ يسمع سرّهم ونجواهم, لا يخفى عليه شيء من أسرارهم وَلا خَمْسَةٍ إلاّ هُوَ سادِسُهُمْ يقول: ولا يكون من نجوى خمسة إلا هو سادسهم كذلك وَلا أدْنَى مِنْ ذلكَ يقول: ولا أقلّ من ثلاثة وَلا أكْثَرَ من خمسة إلاّ هُوَ مَعَهُمْ إذا تناجوا أيْنَما كانُوا يقول: في أيّ موضع ومكان كانوا، وعنى بقوله هُو رَابِعُهُمْ بمعنى أنه مشاهدهم بعلمه, وهو على عرشه, كما:

حدثني عبد الله بن أبي زياد

قال: ثني نصر بن ميمون المضروب, قال: حدثنا بكير بن معروف, عن مقاتل بن حيان, عن الضحاك, في قول ما يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ... إلى قوله هُوَ مَعَهُمْ قال: هو فوق العرش وعلمه معهم أيْنَما كانُوا ثُمّ يُنَبّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ القِيامَة إنّ اللّهَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وقوله: ثُمّ يُنَبّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ القِيامَةِ يقول تعالى ذكره: ثم يخبر هؤلاء المتناجين وغيرهم بما عملوا من عمل مما يحبه و يسخطه يوم القيامة إنّ اللّهَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ يقول: إن الله بنجواهم وأسرارهم, وسرائر أعمالهم, وغير ذلك من أمورهم وأمور عباده عليم واختلفت القرّاء في قراءة قوله: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ فقرأت قرّاء الأمصار ذلك ما يَكُونُ مِنْ نَجْوَى بالياء, خلا أبي جعفر القارىء, فإنه قرأه: «ما تَكُونُ» بالتاء. والياء هي الصواب في ذلك, لإجماع الحجة عليها, ولصحتها في العربية.

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ ( 8 )

النجوى هي: التناجي بين اثنين فأكثر، وقد تكون في الخير، وتكون في الشر.

فأمر الله تعالى المؤمنين أن يتناجوا بالبر، وهو اسم جامع لكل خير وطاعة، وقيام بحق لله ولعباده والتقوى، وهي [ هنا ] : اسم جامع لترك جميع المحارم والمآثم، فالمؤمن يمتثل هذا الأمر الإلهي، فلا تجده مناجيا ومتحدثا إلا بما يقربه من الله، ويباعده من سخطه، والفاجر يتهاون بأمر الله، ويناجي بالإثم والعدوان ومعصية الرسول، كالمنافقين الذين هذا دأبهم وحالهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم.

قال تعالى ( وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ ) أي: يسيئون الأدب معك في تحيتهم لك، ( وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ) أي: يسرون في أنفسهم ما ذكره عالم الغيب والشهادة عنهم، وهو قولهم: ( لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ ) ومعنى ذلك أنهم يتهاونون بذلك، ويستدلون بعدم تعجيل العقوبة عليهم، أن ما يقولون غير محذور، قال تعالى في بيان أنه يمهل ولا يهمل: ( حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) أي: تكفيهم جهنم التي جمعت كل شقاء وعذاب [ عليهم ] ، تحيط بهم، ويعذبون بها ( فَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) وهؤلاء المذكورون إما أناس من المنافقين يظهرون الإيمان، ويخاطبون الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الخطاب الذي يوهمون أنهم أرادوا به خيرا وهم كذبة في ذلك، وإما أناس من أهل الكتاب، الذين إذا سلموا على النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: « السام عليك يا محمد » يعنون بذلك الموت.

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم

ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ نُهُوا عَنِ النّجْوَى من اليهود ثُمّ يَعودُون فقد نهى الله عزّ وجلّ إياهم عنها, ويتناجون بينهم بالإثم والعدوان ومعصية الرسول. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:


عن مجاهد, في قوله ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ نُهُوا عَن النّجْوَى قال: اليهود.

قوله: ثُمّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ يقول جلّ ثناؤه: ثم يرجعون إلى ما نهوا عنه من النجوى وَيَتَناجُونَ بالإثْمِ والعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرّسُولِ يقول جلّ ثناؤه: ويتناجون بما حرّم الله عليهم من الفواحش والعدوان, وذلك خلاف أمر الله ومعصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

واختلفت القرّاء في قراءة قوله

وَيَتَناجَوْنَ فقرأت ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين والبصريين وَيَتَناجَوْنَ على مثال يتفاعلون, وكان يحيى وحمزة والأعمش يقرأون «وَيَنْتَجُونَ» على مثال يفتعلون. واعتلّ الذين قرأوه: يَتَنَاجَوْنَ بقوله: إذَا تَنَاجَيْتُمْ ولم يقل: إذا انتجيتم.

وقوله

وَإذا جاءُوكَ حَيّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيّكَ بِهِ اللّهُ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإذا جاءك يا محمد هؤلاء الذين نهوا عن النجوى, الذين وصف الله جلّ ثناؤه صفتهم, حيوك بغير التحية التي جعلها الله لك تحية, وكانت تحيتهم التي كانوا يحيونه بها التي أخبر الله أنه لم يحيه بها فيما جاءت به الأخبار, أنهم كانوا يقولون: السام عليك. ذكر الرواية الواردة بذلك:

عن مسروق, عن عائشة قالت

جاء ناس من اليهود إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم, فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم, فقلت: السام عليكم, وفعل الله بكم وفعل, فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «يا عائِشَةُ إنّ اللّهَ لا يُحِبّ الفُحْشَ», فقلت: يا رسول الله, ألست ترى ما يقولون؟ فقال: «أَلَسْتِ تَرَيْنَنِي أرُدّ عَلَيْهِمْ ما يَقُولُونَ؟ أقُول: عَلَيْكُمْ» وهذه الآية في ذلك نزلت وإذَا جاءوكَ حَيّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيّكَ بِهِ الله وَيَقُولُونَ فِي أنْفُسِهمْ لَوْلا يُعَذّبُنا الله بِمَا نَقُول, حَسْبُهُمْ جَهَنّم يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ المَصِيرِ.

عن مسروق, عن عائشة قالت

كان اليهود يأتون النبيّ صلى الله عليه وسلم فيقولون: السام عليكم, فيقول: «عَلَيْكمْ» قالت عائشة: السام عليكم وغَضَبُ الله فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إنّ اللّهَ لا يحِبّ الفاحِشَ المُتَفَحّشَ», قالت: إنهم يقولون: السام عليكم, قال: «إنّي أقُول: عَلَيْكُمْ», فنزلت: وإذَا جاءوكَ حَيّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيّكَ بِهِ الله قال: فإن اليهود يأتون النبيّ صلى الله عليه وسلم, فيقولون: السام عليكم.

قال بعض العلماء

وإذَا جاءوكَ حَيّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيّكَ بِهِ اللّهُ قال: كانت اليهود يأتون النبيّ صلى الله عليه وسلم, فيقولون: السام عليكم.

وآخرون

وإذَا جاءوكَ حَيّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيّكَ بِهِ اللّهُ... إلى فَبِئْسَ المَصِيرُ قال: كان المنافقون يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حيوه: سام عليكم, فقال الله حَسْبُهُمْ جَهَنّم يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ المَصِير.

عن الزهري أن عائشة - رضي الله عنها وأرضاها

فطنت إلى قولهم, فقالت: وعليكم السامة واللعنة, فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «مَهْلاً يا عائِشَة إنّ اللّهَ يحِبّ الرّفْقَ في الأمْرِ كُلّهِ», فقالت: يا نبيّ الله ألم تسمع ما يقولون؟ قال: «أفَلَمْ تَسْمَعي ما أردّ عَلَيْهِمْ؟ أقُول: عَلَيْكُمْ».

عن أنس بن مالك أنّ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم

بينما هو جالس مع أصحابه, إذ أتى عليهم يهوديّ, فسلم عليهم, فردّوا عليه, فقال نبيّ الله صلى الله عليه وسلم: «هَلْ تَدْرُونَ ما قالَ؟» قالوا: سلّم يا رسول الله, قال: «بَلْ قالَ: سأْمٌ عَلَيْكُمْ, أي تسأمون دينكم», فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «أقُلْت سأَمٌ عَلَيْكُمْ؟» قال: نعم, فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إذَا سَلّمَ عَلَيْكُمْ أحَدٌ مِنْ أهْلِ الكِتابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكَ»: أي عليك ما قلت.

أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وإذَا جاءوكَ حَيّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيّكَ بِهِ اللّهُ قال

هؤلاء يهود, جاء ثلاثة نفر منهم إلى باب النبيّ صلى الله عليه وسلم, فتناجوا ساعة, ثم استأذن أحدهم, فأذن له النبيّ صلى الله عليه وسلم, فقال: السام عليكم, فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «عَلَيْكَ», ثُمّ الثاني, ثُمّ الثّالِثُ قال ابن زيد: السام: الموت.

وقوله جلّ ثناؤه: وَيَقُولُونَ فِي أنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذّبُنا اللّهُ بِمَا نَقُولُ يقول جل ثناؤه: ويقول محيوك بهذه التحية من اليهود: هلا يعاقبنا الله بما نقول لمحمد صلى الله عليه وسلم, فيعجل عقوبته لنا على ذلك, يقول الله: حسبْ قائلي ذلك يا محمد جهنم, وكفاهم بها يصلونها يوم القيامة, فبئس المصير جهنم.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ( 9 )

القول فـي تأويـل قوله تعالى:{يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْاْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرّسُولِ وَتَنَاجَوْاْ بِالْبِرّ وَالتّقْوَىَ وَاتّقُواْ اللّهَ الّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }.

يقول تعالى ذكره

يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله إذَا تَناجَيْتُمْ بينكم فَلا تَتَناجَوْا بالإثْمِ وَالعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرّسُولِ وَ لكن تَنَاجَوْا بالْبِرّ يعني طاعة الله وما يقرّبكم منه والتّقْوَى يقول: وباتقائه بأداء ما كلّفكم من فرائضه واجتناب معاصيه وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي إلَيْهِ تُحْشَرونَ يقول: وخافوا الله الذي إليه مصيركم, وعنده مجتمعكم في تضييع فرائضه, والتقدّم على معاصيه أن يعاقبكم عليه عند مصيركم إليه.

النجوى هي: التناجي بين اثنين فأكثر، وقد تكون في الخير، وتكون في الشر.

فأمر الله تعالى المؤمنين أن يتناجوا بالبر

وهو اسم جامع لكل خير وطاعة، وقيام بحق لله ولعباده والتقوى، وهي [ هنا ] : اسم جامع لترك جميع المحارم والمآثم، فالمؤمن يمتثل هذا الأمر الإلهي، فلا تجده مناجيا ومتحدثا إلا بما يقربه من الله، ويباعده من سخطه، والفاجر يتهاون بأمر الله، ويناجي بالإثم والعدوان ومعصية الرسول، كالمنافقين الذين هذا دأبهم وحالهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم.

إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ( 10 )

( إِنَّمَا النَّجْوَى ) أي: تناجي أعداء المؤمنين بالمؤمنين، بالمكر والخديعة، وطلب السوء من الشيطان، الذي كيده ضعيف ومكره غير مفيد.

( لِيَحزن الَّذِينَ آمَنُوا )

هذا غاية هذا المكر ومقصوده، ( وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ ) فإن الله تعالى وعد المؤمنين بالكفاية والنصر على الأعداء، وقال تعالى: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ فأعداء الله ورسوله والمؤمنين، مهما تناجوا ومكروا، فإن ضرر ذلك عائد إلى أنفسهم، ولا يضر المؤمنين إلا شيء قدره الله وقضاه، ( وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) أي: ليعتمدوا عليه ويثقوا بوعده، فإن من توكل على الله كفاه، وتولى أمر دينه ودنياه .القول فـي تأويـل قوله تعالى:{إِنّمَا النّجْوَىَ مِنَ الشّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الّذِينَ آمَنُواْ وَلَيْسَ بِضَآرّهِمْ شَيْئاً إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكّلِ الْمُؤْمِنُونَ }.

يقول تعالى ذكره

إنما المناجاة من الشيطان, ثم اختلف أهل العلم في النجوى التي أخبر الله أنها من الشيطان, أيّ ذلك هو, فقال بعضهم: عُنِي بذلك مناجاة المنافقين بعضهم بعضا. ذكر من قال ذلك:

عن قتادة, قوله: إنّمَا النّجْوَى مِن الشّيْطان لِيَحْزُنَ الّذِينَ آمَنُوا

كان المنافقون يتناجون بينهم, وكان ذلك يغيظ المؤمنين, ويكبر عليهم, فأنزل الله في ذلك القرآن إنّمَا النّجْوَى مِن الشّيْطان لِيَحْزُنَ الّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارّهِمْ شَيْئا... الآية.

وقال آخرون بما

في قول الله عزّ وجلّ إنّمَا النّجْوَى مِنَ الشّيْطانِ لِيَحْزُنَ الّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارّهِمْ شَيْئا إلاّ بإذْنِ اللّهِ قال: كان الرجل يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله الحاجة ليرى الناس أنه قد ناجى رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم لا يمنع ذلك من أحد. قال: والأرض يومئذ حرب على أهل هذا البلد, وكان إبليس يأتي القوم فيقول لهم: إنما يتناجون في أمور قد حضرت, وجموع قد جمعت لكم وأشياء, فقال الله: إنّمَا النّجْوَى مِنَ الشّيْطانِ لِيَحْزُنَ الّذِينَ آمَنُوا... إلى آخر الآية.

عن معمر, قال: كان المسلمون إذا رأوا المنافقين خلوا يتناجون

يشقّ عليهم, فنزلت إنّمَا النّجْوَى مِنَ الشّيْطانِ لِيَحْزُنَ الّذِينَ آمَنُوا.

وقال آخرون

عُنِي بذلك أحلام النوم التي يراها الإنسان في نومه فتحزنه. ذكر من قال ذلك:

حدثنا يحيى بن داود البلخي, قال: سئل عطية, وأنا أسمع الرؤيا, فقال

الرؤيا على ثلاث منازل, فمنها وسوسة الشيطان, فذلك قوله إنّمَا النّجْوَى مِنَ الشّيْطَانِ ومنها ما يحدّث نفسه بالنهار فيراه بالليل ومنها كالأخذ باليد.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال

عُنِي به مناجاة المنافقين بعضهم بعضا بالإثم والعدوان, وذلك أن الله جلّ ثناؤه تقدم بالنهي عنها بقوله إذَا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بالإثْم والعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرّسُولِ ثم عما في ذلك من المكروه على أهل الإيمان, وعن سبب نهيه إياهم عنه, فقال: إنّمَا النّجْوَى مِنَ الشّيْطانِ لِيَحْزُنَ الّذِينَ آمَنُوا فبين بذلك إذ كان النهي عن رؤية المرء في منامه كان كذلك, وكان عقيب نهيه عن النجوى بصفة أنه من صفة ما نهى عنه.

وقوله: وَلَيْسَ بِضَارّهِمْ شَيْئا إلاّ بإذْنِ اللّهِ

يقول تعالى ذكره: وليس التناجي بضارّ المؤمنين شيئا إلا بإذن الله, يعني بقضاء الله وقَدَره، وقوله وَعَلى اللّهِ فَلْيَتَوَكّلِ المُؤمِنُونَ يقول تعالى ذكره: وعلى الله فليتوكل في أمورهم أهل الإيمان به, ولا يحزنوا من تناجي المنافقين ومن يكيدهم بذلك, وأن تناجيهم غير ضارّهم إذا حفظهم ربهم.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ( 11 )

هذا تأديب من الله لعباده المؤمنين، إذا اجتمعوا في مجلس من مجالس مجتمعاتهم، واحتاج بعضهم أو بعض القادمين عليهم للتفسح له في المجلس، فإن من الأدب أن يفسحوا له تحصيلا لهذا المقصود.

وليس ذلك بضار للجالس شيئا، فيحصل مقصود أخيه من غير ضرر يلحقه هو، والجزاء من جنس العمل، فإن من فسح فسح الله له، ومن وسع لأخيه، وسع الله عليه.

( وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا )

أي: ارتفعوا وتنحوا عن مجالسكم لحاجة تعرض، ( فَانْشُزُوا ) أي: فبادروا للقيام لتحصيل تلك المصلحة، فإن القيام بمثل هذه الأمور من العلم والإيمان، والله تعالى يرفع أهل العلم والإيمان درجات بحسب ما خصهم الله به، من العلم والإيمان.

( وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) فيجازي كل عامل بعمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.

وفي هذه الآية فضيلة العلم، وأن زينته وثمرته التأدب بآدابه والعمل بمقتضاه.

القول فـي تأويـل قوله تعالى:{يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسّحُواْ فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُواْ يَفْسَحِ اللّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُواْ فَانشُزُواْ يَرْفَعِ اللّهُ الّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }.

يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله إذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسّحُوا فِي المَجالِسِ يعني بقوله تفسّحُوا توسعوا من قولهم مكان فسيح إذا كان واسعا.

واختلف أهل التأويل في المجلس الذي أمر الله المؤمنين بالتفسح فيه
فقال بعضهم: ذلك كان مجلس النبيّ صلى الله عليه وسلم خاصة. ذكر من قال ذلك:

تَفَسّحُوا فِي المجالس قال: مجلس النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقال ذاك خاصة.

قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة

قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسّحُوا فِي المجالس... الآية, كانوا إذا رأوا من جاءهم مقبلاً ضنّوا بمجلسهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأمرهم أن يفسح بعضهم لبعض.

حُدثت عن الحسين, قال

سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول, في قوله: إذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسّحُوا فِي المجالس قال: كان هذا للنبيّ صلى الله عليه وسلم ومن حوله خاصة يقول: استوسعوا حتى يصيب كلّ رجل منكم مجلسا من النبيّ صلى الله عليه وسلم, وهي أيضا مقاعد للقتال.

عن قتادة, في قوله تَفَسّحُوا فِي المَجْلِسِ

قال: كان الناس يتنافسون في مجلس النبيّ صلى الله عليه وسلم فقيل لهم: إذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسّحُوا فِي المَجْلِس فافْسَحُوا.

قال آخرون

في قول الله: إذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسّحُوا فِي المَجالِس فافْسَحُوا يَفْسَحِ اللّهُ لَكُمْ قال ذا مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم, كان الرجل يأتي فيقول: افسحوا لي رحمكم الله, فيضنّ كلّ أحد منهم بقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأمرهم الله بذلك, ورأى أنه خير لهم.

وقال آخرون

بل عُنِي بذلك في مجالس القتال إذا اصطفوا للحرب. ذكر من قال ذلك:

عن ابن عباس, قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسّحُوا فِي المجالس يَفْسَحِ اللّهُ لَكُمْ قال: ذلك في مجلس القتال.

والصواب من القول في ذلك أن يقال

إن الله تعالى ذكره أمر المؤمنين أن يتفسحوا في المجلس, ولم يخصص بذلك مجلس النبيّ صلى الله عليه وسلم دون مجلس القتال, وكلا الموضعين يقال له مجلس, فذلك على جميع المجالس من مجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومجالس القتال.

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الأمصار: «تَفَسّحُوا فِي المجْلِسِ» على التوحيد غير الحسن البصري وعاصم, فإنهما قرآ ذلك فِي المَجالِسِ على الجماع. وبالتوحيد قراءة ذلك عندنا لإجماع الحجة من القرّاء عليه.

وإنما يُراد بذلك

وإذا قيل لكم قوموا إلى قتال عدوّ, أو صلاة, أو عمل خير, أو تفرّقوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقوموا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

عن ابن عباس

وَإذَا قِيلَ انْشُزُوا فانْشُزُوا إلى وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلونَ خَبِيرٌ قال: إذا قيل: انشزوا فانشزوا إلى الخير والصلاة.

قال آخرون

هذا كله في الغزو.

وآخرون

إذا نودي للصلاة تثاقل رجال, فأمرهم الله إذا نودي للصلاة أن يرتفعوا إليها, يقوموا إليها.

وآخرون

انشزوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: هذا في بيته إذا قيل انشزوا, فارتفعوا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم, فإن له حوائج, فأحبّ كلّ رجل منهم أن يكون آخر عهده برسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: وَإذَا قِيلَ انْشُزُوا فانْشُزُوا.

{يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ الرّسُولَ فَقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لّمْ تَجِدُواْ فَإِنّ اللّهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ } ( 12)

يقول تعالى ذكره: ياأيها الذين صدقوا الله ورسوله, إذا ناجيتم رسول الله, فقدّموا أمام نجواكم صدقة تتصدّقون بها على أهل المسكنة والحاجة ذَلكَ خَيْرٌ لَكُمْ يقول: وتقديمكم الصدقة أمام نجواكم رسول الله صلى الله عليه وسلم, خير لكم عند الله وأطْهَرُ لقلوبكم من المآثم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

عن مجاهد

في قوله: فَقَدّمُوا بَينَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً قال: نُهُوا عن مناجاة النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى يتصدّقوا, فلم يناجه إلا عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه, قدّم دينارا فتصدّق به, ثم أنزلت الرّخصة في ذلك.

عن ليث, عن مجاهد, قال: قال عليّ رضي الله عنه

إن في كتاب الله عزّ وجلّ لاَية ما عمل بها أحد قبلي, ولا يعمل بها أحد بعدي: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا ناجَيْتُمُ الرّسُولَ فَقَدّمُوا بَينَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَة قال: فُرضت, ثم نُسخت.

وآخرين

في قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا ناجَيْتُمُ الرّسُولَ فَقَدّمُوا بَينَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَة قال: نهوا عن مناجاة النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى يتصدّقوا, فلم يناجه إلا عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه, قدّم دينارا صدقةً تصدّق به, ثم أنزلت الرخصة.

وآخرين

قالوا: قال عليّ رضي الله عنه: آية من كتاب الله لم يعمل بها أحد قبلي, ولا يعمل بها أحد بعدي, كان عندي دينار فصرفته بعشرة دراهم, فكنت إذا جئت إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم تصدقت بدرهم, فنسخت فلم يعمل بها أحد قبلي يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا ناجَيْتُمُ الرّسُولَ فَقَدّمُوا بَينَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَة.

وآخرين

يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا ناجَيْتُمُ الرّسُولَ فَقَدّمُوا بَينَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً قال: سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه بالمسألة, فوعظهم الله بهذه الآية. وكان الرجل تكون له الحاجة إلى نبيّ الله صلى الله عليه وسلم, فلا يستطيع أن يقضيها حتى يقدّم بين يديه صدقة, فاشتد ذلك عليهم, فأنزل الله عزّ وجل الرخصة بعد ذلك فإنْ لَمْ تَجِدُوا فإنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

وآخرين

إنها منسوخة ما كانت إلا ساعة من نهار.

وآخرين

كان المسلمون يقدّمُونَ بين يدي النجوى صدقة, فلما نزلت الزكاة نُسخ هذا.

وآخرين

المسلمين أكثروا المسائل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شقوا عليه, فأراد الله أن يخفف عن نبيه فلما قال ذلك صبر كثير من الناس, وكفوا عن المسألة, فأنزل الله بعد هذا فإذَا لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللّهُ عَلَيْكُمْ فأَقِيمُوا الصّلاةَ وآتُوا الزّكاةَ فوسّع الله عليهم, ولم يضيق.

وآخرين

من جاء يناجيك في هذا ( اي دفع الصدقة) فاقبل مناجاته, ومن جاء يناجيك في غير هذا فاقطع أنت ذاك عنه لا تناجه. قال: وكان المنافقون ربما ناجوا فيما لا حاجة لهم فيه, فقال الله عزّ وجلّ: ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ نَهُوا عَنِ النّجْوَى ثُمّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ بالإثْم والعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرّسُولِ قال: لأن الخبيث يدخل في ذلك.


{أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ وَتَابَ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُواْ الصّلاَةَ وَآتُواْ الزّكَاةَ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }( 13)

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ وَتَابَ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُواْ الصّلاَةَ وَآتُواْ الزّكَاةَ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }

أصل الإشفاق في كلام العرب

الخوف والحذر, ومعناه في هذا الموضع: أي أخشيتم بتقديم الصدقة الفاقة والفقر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

قال بعض العلماء

أأشْفَقْتُمْ قال: شقّ عليكم تقديم الصدقة, فقد وُضِعَتْ عنكم, وأمروا بمناجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير صدقة حين شقّ عليهم ذلك.

عن قتادة

أأشْفَقْتُمْ أنْ تُقدّمُوا بَينَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقاتٍ فإذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللّهُ عَلَيْكُمْ فأقِيمُوا الصّلاة وآتُوا الزّكاةَ فريضتان واجبتان لا رجعة لأحد فيهما, فنسخت هذه الآية ما كان قبلها من أمر الصدقة في النجوى.

وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلونَ يقول جلّ ثناؤه: والله ذو خبرة وعلم بأعمالكم, وهو محصيها عليكم ليجازيكم بها.


{أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ تَوَلّوْاْ قَوْماً غَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِم مّا هُم مّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } ( 14)

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ألم تنظر بعين قلبك يا محمد, فترى إلى القوم الذين. تولّوْا قوما غضب الله عليهم, وهم المنافقون تولّوا اليهود وناصحوهم, كما

عن قتادة, قوله

ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ تَوَلّوْا قَوْما غَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِمْ إلى آخر الآية, قال: هم المنافقون تولّوا اليهود وناصحوهم.


أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قول الله عزّ وجلّ في الآية

هؤلاء المنافقون قالوا: لا ندع حلفاءنا وموالينا يكونوا معا لنصرتنا وعزّنا, ومن يدفع عنا نخشى أن تصيبنا دائرة, فقال الله عزّ وجلّ: فَعَسَى اللّهُ أنْ يأتِي بالفَتْحِ أوْ أمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ حتى بلغ: فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللّهِ وقرأ حتى بلغ: أوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرِ قال: لا يَبرزون.

قوله: ما هُمْ مِنْكُمْ يقول تعالى ذكره

ما هؤلاء الذين تولّوا هؤلاء القوم الذين غضب الله عليهم, منكم يعني: من أهل دينكم وملتكم, ولا منهم ولا هم من اليهود الذين غضب الله عليهم, وإنما وصفهم بذلك منكم جلّ ثناؤه لأنهم منافقون إذا لقوا اليهود, قالوا أنّا مَعَكمْ إنّما نَحنُ مُسْتَهزئون وَإذا لَقُوا الذّين آمَنُوا قَالوَا آمَنّا.

عن سعيد بن جُبَير, عن ابن عباس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

«يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ يَنْظُرُ بعَيْنِ شَيْطانٍ, أو بعَيْنَيْ شَيْطانٍ», قال: فدخل رجل أزرق, فقال له: «علامَ تسبني أو تشتمني؟» قال: فجعل يحلف, قال: فنزلت هذه الآية التي في المجادلة: وَيحْلِفُونَ على الكَذِبِ وَهَمْ يَعْلَمُونَ والآية الأخرى.


كم تر إلى المنافقين الذين اتخذوا اليهود أصدقاء ووالوهم؟ والمنافقون في الحقيقة ليسوا من المسلمين ولا من اليهود , ويحلفون كذبا أنهم مسلمون , وأنك رسول الله, وهم يعلمون أنهم كاذبون فيما حلفوا عليه.

" أعد الله لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما كانوا يعملون " ( 15)

أعد الله لهؤلاء المنافقين عذابا بالغ الشدة والألم, إنهم ساء ما كانوا يعملون من النفاق والحلف على الكذب، قول تعالى ذكره: أعدّ الله لهؤلاء المنافقين الذين تولّوُا اليهود عذابا في الاَخرة شديدا إنّهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ في الدنيا بغشهم المسلمين. ونصحهم لأعدائهم من اليهود

" اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين " ( 16)

اتخذ المنافقون أيمانهم الكاذبة وقاية لهم من القتل بسبب كفرهم, ولمنع المسلمين عن قتالهم وأخذ أموالهم, فبسبب ذلك صدوا أنفسهم وغيرهم عن سبيل لله وهو الإسلام , فلهم عذاب مذل في النار لاستكبارهم عن الإيمان بالله ورسوله وصدهم عن سبيله، وقوله:

جعلوا حلفهم وأيمانهم جنة

يسجنون بها من القتل ويدفعون بها عن أنفسهم وأموالهم وذراريهم, وذلك أنهم إذا اطلع منهم على النفاق, حلفوا للمؤمنين بالله إنهم لمنهم فَصَدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ يقول جلّ ثناؤه: فصدّوا بأيمانهم التي اتخذوها جنة المؤمنين عن سبيل الله فيهم, وذلك أنهم كفرة, وحكم الله وسبيله في أهل الكفر به من أهل الكتاب القتل, أو أخذ الجزية, وفي عبدة الأوثان القتل, فالمنافقون يصدّون المؤمنين عن سبيل الله فيهم بأيمانهم إنهم مؤمنون, وإنهم منهم, فيحولون بذلك بينهم وبين قتلهم, ويمتنعون به مما يمتنع منه أهل الإيمان بالله.

وقوله فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ يقول: فلهم عذاب مُذِلّ لهم في النار.


" لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " ( 17)

لن تدفع عن المنافقين أموالهم ولا أولادهم من عذاب الله شيئا , أولئك أهل النار الملازمون لها, لا يخرجون منها, ولا يموتون فيها.

وهذا الجزاء يعم كل من صد عن دين الله بقوله أو فعله، يقول تعالى ذكره: لن تغني عن هؤلاء المنافقين يوم القيامة أموالهم, فيفتدوا بها من عذاب الله المهين لهم ولا أولادهم, فينصرونهم ويستنقذونهم من الله إذا عاقبهم أُولَئِكَ أصحَابُ النّارِ يقول: هؤلاء الذين تولوا قوما غضب الله عليهم, وهم المنافقون أصحاب النار, يعني أهلها الذين هم فيها خالدون, يقول: هم في النار ماكثون إلى غير نهاية.


" يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون " ( 18)

يوم القيامة يبعث الله المنافقين جميعا من قبورهم أحياء, فيحلفون له أنهم كانوا مؤمنين , كما كانوا يحلفون لكم- أيها المؤمنون- في الدنيا, ويعتقدون أن ذلك ينفعهم عند الله كما كان ينفعهم في الدنيا عند المسلمين, ألا إنهم هم البلغون في الكذب حدا لهم يبلغه غيرهم ,

عن قتادة, في قوله: فَيَحْلِفُونَ لَهُ قال

إن المنافق حلف له يوم القيامة كما حلف لأوليائه في الدنيا

حدثنا سعيد, عن قتادة, في قوله: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّهُ جَمِيعا... الآية

والله حالفَ المنافقون ربهم يوم القيامة, كما حالفوا أولياءه في الدنيا.

وقوله: وَيحْسَبُونَ أنّهُمْ على شَيْءٍ يقول: ويظنون أنهم في أيمانهم وحلفهم بالله كاذبين على شيء من الحقّ, إلا إنّهُمْ هُمُ الكاذِبُونَ فيما يحلفون عليه.


اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللّهِ أُوْلَـَئِكَ حِزْبُ الشّيْطَانِ أَلاَ إِنّ حِزْبَ الشّيْطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ } ( 19)

يعني تعالى ذكره بقوله: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشّيْطانُ غلب عليهم الشيطان فأنْساهُمْ ذِكْرَ اللّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشّيْطانِ يعني جنده وأتباعه ألا إنّ حِزْبَ الشّيْطانِ هُمُ الخاسِرُونَ يقول: ألا إن جند الشيطان وأتباعه هم الهالكون المغبونون في صَفْقَتِهِمْ.

الآية : 20-21

القول فـي تأويـل قوله تعالى:{إِنّ الّذِينَ يُحَآدّونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـَئِكَ فِي الأذَلّينَ * كَتَبَ اللّهُ لأغْلِبَنّ أَنَاْ وَرُسُلِيَ إِنّ اللّهَ قَوِيّ عَزِيزٌ }.

يقول تعالى ذكره: إن الذين يخالفون الله ورسوله في حدوده, وفيما فرض عليهم من فرائضه فيعادونه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

حدثنا سعيد, عن قتادة

إنّ الّذِينَ يُحادّونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ يقول: يعادون الله ورسوله.


حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث

قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء, جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: يُحادّونَ الله وَرَسُولَهُ قال: يعادون. يشاقّون.

وقوله: أُولَئكَ فِي الأَذّلِينَ يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين يحادّون الله ورسوله في أهل الذلة, لأن الغلبة لله ورسوله.


إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين " ( 20)

إن الذين يخالفون أمر الله ورسوله أولئك من جملة الأذلاء المغلوبين المهانين في الدنيا والآخرة


كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز " ( 21)

كتب الله في اللوح المحفوظ وحكم بأن النصرة له ولكتابه ورسله وعباده المؤمنين.

إن الله سبحانه قوي لا يعجزه شيء, عزيز على خلقه.


" لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون " ( 22)

لا تجد- يا محمد- قوما يصدقون بالله واليوم الآخر , ويعملون بما شرع الله لهم, يحبون ويوالون من عادى الله ورسوله وخالف أمرهما, ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو أقرباءهم , أولئك الموالون في الله والمعاندون فيه كتب في قلوبهم الإيمان, وقواهم بنصر منه وتأييد على عدوهم في الدنيا , ويدخلهم في الآخرة جنات تجري من تحت أشجارها الأنهار, ماكثين فيها زمانا ممتدا لا ينقطع , أحل الله عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم, ورضوا عن ربهم بما أعطاهم من الكرامات يرفع الدرجات, أولئك حزب الله وأولياؤه, وأولئك هم الفائزون بسعادة الدنيا والآخرة


تمت بحمد الله

الروابط

https://surahquran.com/tafsir-assadi/542.html

https://surahquran.com/tafsir-tabari/542.html

3 views0 comments

Recent Posts

See All

سورة التحريم

الوصف العام للسورة السورة مدنية عدد آياتها 12 وترتيبها في المصحف 66 التفسير يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ...

سورة الطلاق

الوصف العام للسورة السورة مدنية عدد آياتها 12 ترتيبها في المصحف 65 تتميز بـــ تتحدث عن أحكام الطلاق في الإسلام التفسير يَٰٓأَيُّهَا...

سورة التغابن

الوصف العام للسورة السورة مدنية في قول الأكثرين وقال الضحاك بن مزاحم «مكية» وقال الكلبي هي مكية ومدنية قال عبد الله بن عباس «أن سورة...

Comments

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating
bottom of page