top of page

Moses' Story PBUH Part two قصة موسي الجزء الثاني

  • Dina Eltawila
  • Jun 27
  • 52 min read

Updated: Jul 18

لقاء فرعون وإنقاذ بني إسرائيل أو لقاء لموسى مع فرعون وحاشيته

قال تعالي

وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ ۚ أَلَا يَتَّقُونَ

بدأ رب العالمين بدعوة موسى -عليه السلام- أن يذهب إلى فرعون وحاشيته: القبط (أهل مصر) أو وزراءه وامراءه وغيرهم واسماهم الظالمين. إن شر ما ترونه في الحياة هم الظالمون. قد يكون الله تعالى متساهلاً مع الكافرين حتى مماتهم، فيعطيهم ويزيدهم، ثم لا يتساهل معهم إذا ماتوا على شركهم. وأما الظالمون ولو كانوا مسلمين فإن الله تعالى لن يلين معهم لا في الدنيا ولا في الآخرة. قد يحاسبهم على ظلمهم في الدنيا، وقد يؤخره لهم في الآخرة، بحسب كثرته أو قلّته، وكثرة المظلومين فيه، وكثرة المظلومين منهم، وعزائمهم عند الله، ولكن الله تبارك وتعالى في البداية والنهاية: لا يحب الظالمين، ولا يوفقهم، وعقوبتهم إما مؤجلة أو معجلة، والتعجيل عبرة لمن اعتبر، وسيكون قوم فرعون عبرتهم على مر الزمان والمكان لطغيانهم وظلمهم الشديد لبني إسرائيل الذين أكرمهم الله واتبعوا موسى بأول رسالة نزلت إليه، فموسى عليه السلام يعلم من هم الظالمون قوم فرعون، ولماذا لم يذكر الله تبارك وتعالى أنهم الأقباط (سكان مصر)؟ ولماذا نسبهم إلى فرعون؟ ويقال إن الناس يتبعون دين ملوكهم، وإذا لاحظت أن الأقباط (سكان مصر) كانوا مرتاحين تماماً لعذاب بني إسرائيل أمام أعينهم وكل ما يشغل تفكيرهم: أن لا يجعل فرعون أبناءهم يعملون في الأعمال الشاقة بدلاً من ذكور بني إسرائيل عندما أبادهم فرعون بالقتل المنظم لهم خوفاً على مملكته.


قال تعالي

قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ (13)

هل أراد موسى عليه السلام أن يتردد ولا يذهب للقاء القوم الظالمين خوفًا منهم، ويعرض تردده على الله رب العالمين؟ كلا، بل عاش معهم وعرف أنهم قوم عنيدون ويكذبونه. هذا بالإضافة إلى أن موسى عليه السلام كان كثير الانفعال، فإذا انفعل تلعثم في كلامه. هذه الآيات التي نزلت على لسان موسى عليه السلام لم تكن إلا عرض حال لأمره على رب العالمين، فيمضي دون خوف. والله أعلي واعلم. وفي آية أخرى قال عن هارون أخوه: (هو أفصح مني لسانا). هذا قلب سليم (موسى عليه السلام). وقد قيل إنه خير من ولي أحد (ولاية موسى لأخيه هارون معينًا له في الرسالة) وهذا دليل على صفاء قلبه وثقته بنفسه. لديه مواهب لا يُغفلها، قوته البدنية، وأمانته، لكنه يفتقر إلى فصاحة لسانه، فاستعان بأخيه. نعم، نحن البشر أُنزلنا أعداءً لبعضنا البعض (إلا المتقين). فالمتقين أينما كانوا: يتناصرون، لا يتناحرون. جئنا لنتكامل، لا لنتنافس


قال تعالي

وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ (14)

قتل موسي عليه السلام: القبطي (واحد من طباخين الملك كما قيل من أهل مصر) قبل أن خرج من مصر


قال تعالي

قَالَ كَلَّا ۖ فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا ۖ إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ (15)

(فاذهب)، وهذا أمر مباشر من الله تعالى، ثم قال له: (ما أنا معك بقدرتك ولكن بقدرتي)


قال تعالي

فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16)

اذهب أنت وأخوك فقولا لفرعون إنا رسولا رب العالمين


قال تعالي

أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ

أين سيرسلهم معهم؟ لا أحد يعلم حتى الآن، كل ما يعرفونه هو أنهم محتجزون في سجن كبير مفتوح، يُعذبون ليلًا ونهارًا، على مرأى ومسمع من المصريين. الطبيعة البشرية: بعد فترة من تتابع المشاهد المؤذية المؤلمة (التعود على المشهد) وعدم قيام أحد بأي شيء تجاه المعذبين، يريد الله تعالى أن يمنح الضعفاء بركاته حتى لا يظلوا ضعفاء طوال حياتهم. ومن عاش في عبودية البشر، حتى لو كانت عبودية حديثة كالعمل بدون أجر لسداد الديون، يعلم أن من تحرر من العبودية (أيًا كان نوعها، قديمة كانت أم حديثة) يحتاج إلى علاج نفسي طويل الأمد، فيبحث عن كفيل آخر أو سيد آخر ليستعبده.


قال تعالي

(قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين)

ثم قال فرعون لموسى ساخرًا منه على تربيته: ألم نربيك بيننا طفلًا حين جاء إلى قصره في تابوت عبر النيل، ولبثت بيننا سنين من عمرك؟ وما تهون العِشرة إلا علي اولاد الحرام كما يقال. ولكن هل للظالم عِشرة خير؟ وهل يُسمّى عدلًا أن يُعطيني ويحرم الآلاف من حقوقهم المشروعة؟ لا ترضى النفوس الطيبة بمعاناة الآخرين، حتى لو كانت مدللة لا ينقصها شيء. الفكرة نفسها فكرة عسيرة على الفهم.


قال تعالي

وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19)

أي قتل القبطي، والقبط: وكان أهل مصر أيضًا عبيدًا لفرعون، ولكن من نوع آخر، استعبادًا فكريًا، إذ كانوا يؤمنون بألوهية فرعون. وأما قول فرعون: (وأنت من الكافرين) فقتل عبد من عباد فرعون (القبطي إن صح التعبير) يدل ضمنًا على كفره بألوهية فرعون.


قال تعالي

قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21)

قال له: فعلت ذلك ولم أكن يومئذ من المهتدين (القتل محرم في جميع الأديان السماوية حتى دين يوسف آخر الأديان السماوية على الأرض قبل دين اليهود - فيما نعلم -) ففررت منك خوفا على نفسي منك، فأعطاني الله (حكم + النبوة، وجعلني من المرسلين: الرسالة إلى بني إسرائيل)


قال تعالي

وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22)

ثم قال موسى عليه السلام لفرعون: أتمنحني منة بأن تجعل حياتي ملكًا (ابن الملك) وتعطيني وتمنحني، وتستعبد أمة بأكملها (بني إسرائيل)؟ كأنه يقول له: هذه ليست قسمة عادلة، فأنا واحد أمام آلاف


قال تعالي

قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ (24)

فسأل فرعون: من رب العالمين؟ قال موسى: رب السماوات والأرض وما بينهما، لا رب القصور والأموال وما إلى ذلك. ثم ختم حديثه بـ (إن كنتم موقنين)


قال تعالي

قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27)

قال فرعون للصفوة المحيطة به من (أهل مصر): "أَلا تسمعون؟ الله ربكم ورب آبائكم". ثم أشار إلى موسى عليه السلام، وقال إنه مجنون. وهذه هي الحجة الأساسية التي يُهاجم بها جميع الرسل (الجنون)، مع أنهم من أعقل الناس وأكملهم فهمًا وعقلًا.


قال تعالي

قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (28)

ثم قال موسى - عليه السلام - حجة عقلية أخرى (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ)


قال تعالي

قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَٰهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29)

أجاب فرعون: إن اتخذتَ إلهًا غيري (فرعون الإله) لأسجننك. هذا أقل ما يمكن أن يفعله فرعون، وهو يستعبد آلافًا من بني إسرائيل في سجنٍ يُعذب فيه علنًا (سجن مفتوح لبني اسرائيل: بالطبع مجازاً)


قال تعالي

قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ (30) قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31) فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (33)

وبدأ موسى -عليه السلام- الأداء الإلهي الذي تدرب عليه على جبل الطور المبارك، وكانت إرادة الله تعالي نافذة في ميعاد محدد ومرتب له إلهياً


قال تعالي

قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35)

قلنا سابقًا: إنَّ الملأ هم مَن يملؤونَ العيونَ بهاءً وروعةً، يملؤونَ المجالسَ الأولى في المؤتمراتِ وغيرها، فقالَ فرعونُ لهؤلاءِ الملأ: إنَّ هذا ساحرٌ عليمٌ، ولماذا اتَّهمَهُ بالسحر؟ قلنا سابقًا ايضاً: إنَّ المصريِّينَ برعُوا في السَّحرِ والكيمياء، وكانَ السحرةُ أيضًا من الخاصَّةِ، ولم ينكرْ عليهِ العلمَ، بل قالَ (ساحرٌ عليمٌ)، أي: لهُ حِرَفٌة قويٌّة، وهو نوعٌ من إدخالِ الشَّكِّ في نفوسِ مَن حولَه من الخاصَّةِ على موسى -عليه السلام-، ثمَّ قالَ لهم بخدعةٍ عقليةٍ أخرى: يُريدُ أن يُخرِجَكم من أرضِكم (مصرَ) بسحرِهِ، فماذا تأمرون؟ أتدرون ما الذي جعلَ الخاصَّةَ تشكُّ في موسى؟ شكّكهم في رغبته في خروجهم من مصر، وكانت مصر من الحضارات النادرة آنذاك، حتى أن القرآن الكريم تكلم عن البلاد المحيطة بمصر بالبدو في سورة يوسف (... وجاء بكم من البدو)، ليفهموا أنهم سيتنازلون عن بهائهم الذي يعيشون فيه من أجل حياة بدائية. ليس هذا فحسب: بل كان سيدنا محمد متولي الشعراوي يقول في هذه الآية: إن المصريين من أشد شعوب الأرض تعلقًا بأرضهم وإن كانوا غرباء عنها، فنهر النيل هو حياة المصريين ويحبون العيش في ظله ما داموا أحياء.


قال تعالي

قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37)

ثم قال الرؤساء بعد أن خافوا على مقاعدهم ومكانتهم: أرجئوا موسى وأخاه إلى حين، وأرسلوا إلى جميع مدائن مصر حتى يأتوا إليكم بكل ساحر عالم، أي لو كان موسى ساحراً عالماً يعرف صنعته، لغلب العدد الشجاعة، وانكشف أمره.


قال تعالي

فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (38) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ (39) لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (40) وإن يكن كاذباً فعليه كذبه وإن يكن صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم

حجة مؤمن آل فرعون: على فرعون وحاشيته

يبدو أن للإيمان بالله تعالي له متطلبات في مرحلة ما من رحلة إيمانك، وصمتك وكسرك وعملك الدؤوب، الله تعالى لا يغفل ذلك، ولن يخيب ظن المؤمنين، وممكن أن يأتي بعملك من القواعد فيجعله هباءاً منثورا، كل عمل علي حسب النية فيه، أهم ما في الأمر: قال رجل من آل فرعون، وتخيل المشهد: اجتمع آل فرعون حول نهر النيل، يأكلون أجود أنواع الطعام ويلبسون أفخم الثياب، والخدم يمشون يمينًا وشمالًا، ووقف هذا الرجل المؤمن في وسط الصفوة وقال: (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَبِّكُمْ) ما أجمل هذا الكلام العقلاني، فإن كان كاذباً عادت إليه دائرة الكذب وحده، وإن كان صادقاً فلا بد أن يستفيد منه الجميع (يصبكم بعض الذي يعدكم)، أي كما يقال: أعطوه فرصة،

قال تعالي

إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ

إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب. واعلموا أن الله تعالى لو علم أن موسى كاذب لما هداه ولم يوفقه، لأن الله لا يهدي من بالغ في المعصية أو اعتاد الكذب


قال تعالي

يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِن جَاءَنَا

يا قوم لكم الملك اليوم، غالبين على الأرض، فمن يحمينا من غضب الله إن جاءنا؟ ثم أنذرهم أن الأيام دورات، فإن كان ما يقوله موسى حقًا، فأنتم اليوم تشعرون بالقوة والملك، وكل شيء تحت السيطرة، وغدًا من يحمينا من غضب الله إن جاءنا؟ والجميل في الأمر أن مؤمن آل فرعون متواضع جدًا، فضم نفسه إلى زمرة الكفار ليشعروا أنه ليس بأفضل منهم.


قال تعالي

قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ

في خضم هذه النبرة العقلانية الحكيمة، ظهر فرعون بنبرة نشاز عميقة: ما أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد. أتمنى أن تكون هذه الكلمات في محلها، ولكنها للأسف ليست في محلها.


قال تعالي

وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ ۚ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ (31)

ثم خوفهم مؤمن آل فرعون من شر عاقبة الأمم السابقة، وكانوا لا يزالون جدداً على يوسف عليه السلام -رئيس وزراء مصر أو وزير المالية آنذاك- وكان عنده دين سماوي يدعو الناس إلى التوحيد، وأعقب ذلك بقوله: إن الله لا يريد ظلما للعباد.


قال تعالي

وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ۗ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33)

وقال لهم مؤمن آل فرعون: إني اخاف عليكم يوم التناد (اسم من اسماء يوم القيامة)

ومن أسماء يوم القيامة يوم التناد: أي المناداة. ينادي الأب ابنه طالبًا حسنة منه فلا يعطيه إياه. وتسأل الأم ابنتها، وتسأل الابنة أمها. وينادي المظلوم الظالمين، وينادي الضعيف المستكبرين: كنا لكم تبعًا فهل أنتم تنقذوننا من النار؟ يوم النداء الأكبر. ينادي كل ذي همٍّ من يكل إليه فلا يجيب. ثم يقول لهم: يوم القيامة تولون أدباركم تحاولون الفرار، وما لكم من الله من ولي. ومن يضلل الله في الدنيا فلا هادي له


قال تعالي

وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ (34)

فذكّرهم بأيام يوسف الصديق - عليه السلام - وأنهم حين مات شكّوا أن يرسل الله رسولاً من بعده إلى بني إسرائيل


قال تعالي

الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ ۖ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35)

الجدال بعلم أو بغير علم من أبغض الأمور إلى الله تعالى، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك الجدال وإن كان محقًا...). وربض الجنة: أوسطها وأعلاها، أي أقرب ما يكون إلى الفردوس الأعلى، والله عليمٌّ حكيم. فالمجادلون في آيات الله البينات، كآيات موسى (العصا، واليد البيضاء، وغيرهما)، من أبغض الناس إلى الله تعالى. وكذلك يطبع الله على قلب كل متكبر جبار، فغالبًا ما يكون من يجادل في آيات الله أو يستهزئ بها... إلخ متكبرًا جبارًا، فهذه صفات الله تبارك وتعالى، ولله صفات الجلال وصفات الجمال. صفات الجمال (كالرحيم والغفور والكريم وغيرها) وهو يحب أن يتصف بها عباده. أما صفات الجلال كـ (المتكبر والجبار والقاهر وغيرها) فمن نازعه فيها وتصف بها خسر ولو بعد حين. فما هو الطبع على القلب إذًا؟ هل طبعت صورة بالليزر على معدن مثلًا؟ هل تستطيع إزالة هذه الصورة بعد ذلك دون تشويهها؟ غالبًا ما يكون ذلك صعبًا، وإن استطعت فاعلم أن من طبع الله في قلبه لم يدخله الإيمان بعد ذلك أبدًا. نسأل الله العافية الدائمة


قال تعالي

وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا ۚ وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ ۚ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37)

هل سكت فرعون أمام هذا الجدل الفكري الكبير أمام نخبة حكامه من حوله؟ كلا، بل قال لهامان وزيره الأمين: ابن لي صرحًا: (البناء العالي الصاعد إلى السماء، ويسميه المحدثون ناطحة سحاب). إن دل هذا على شيء، فهو يدل على ذكاء المصريين في ذلك الوقت وقوتهم ليس فقط في الكيمياء بل في بناء الأبراج أيضًا. لماذا يا فرعون؟ (لعله يصل إلى الأسباب) أسباب ماذا؟ أسباب السماوات. فيرى إله موسى في السماء، وأظن أن موسى كاذب بوجود إله أصلًا. يعلق الله تعالى على هذا الطاغية: وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ السُّوءُ فَصَدَّ عَنِ سَبِيلِ الإِيمَانِ وَالْهُدَى. وَمَا مَكْرُ فِرْعَوْنَ وَمَكْرُهُ إِلَّا الْخَسْرَ وَالْخَسْرَانَ) ولكن لكل شيء أجل ويبدو أن الحوار استمر، ولم يسكت فرعون عن هراءه أحد رجال حاشيته المخلصين الذي بدأ الجدال العقلاني وقال للحشد:


قال تعالي

وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38)

وبعد البناء والعلم والتكنولوجيا التي وصلت إليها مصر في ذلك الوقت التاريخي، أراد من أراد أن يعتمد عليه فرعون، مؤمن آل فرعون، أن يعيد التوازن بين المادة والروح، فأخبرهم عن طريق الهداية


قال تعالي

يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39)

نادى عليهم: "يا أيها الناس"، أي: "أنا منكم وأنتم مني". أنسيتم أنني من صفوة مثلكم، قبطيّ مثلكم، مصريّ مثلكم؟ لست من خراب بني إسرائيل، ولكني آمنت بما جاء به موسى عليه السلام، فقد استحقّ الإيمان. ذكّرهم بأن الدنيا "زائلة"، وأن الآخرة دار الاستقرار.


قال تعالي

مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا ۖ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40)

إن أغلب الشرائع السماوية متشابهة جداً من حيث القوانين والأحكام


قال تعالي

وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42)

ثم خاطبهم بهذه الكلمات خطاباً عقلائياً، رجاء أن يستفيدوا منها


قال تعالي

لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43)

قال تعالي

فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44)

ويبدو أنهم خططوا لقتله لإسكات صوته بدلاً من التفكير فيما يقوله واستعمال العقل فيه.


١- يُمكنك أن تُخفي الإيمان في قلبك ولا تُكشف لأحد إن خشيت على نفسك، ولكن للإيمان متطلبات لا بدّ أن تظهر في مرحلة ما من رحلتك الإيمانية مع الله تعالى - إن لزم الأمر -

٢- لم يكن مؤمن آل فرعون يخشى مناقشة أفكاره الدينية بين حشد من المُنكرين والضاحكين والمستهزئين ما دام على حق. في آية أخرى من القرآن الكريم (فلما جاءهم بآياتنا إذا هم يضحكون منها).

٣- حجة قوية على من يقول إن جميع الفراعنة كانوا كفارًا: يكفي أن يكون من بينهم مؤمن آل فرعون.

باقي الآيات التي جاء بها موسى - عليه السلام - إلى فرعون وحاشيته.


قال تعالي

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ۖ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَىٰ مَسْحُورًا (101)

قال تعالي

(وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ) سورة الأعراف

قال تعالي

{فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين} (الأعراف:133

قال تعالي

كانت الآيات متتالية

قال ابن عباس: "وآتينا موسى تسع آيات بينات". قال: الآيات التسع: يده، وعصاه، ولسانه، والبحر، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم آيات مفصلات.

الدم

قال زيد بن أسلم: كان الدم الذي فرض عليهم رعافًا، فأتوا موسى فقالوا: يا موسى، ادع ربك أن يكشف عنا هذا الدم حتى نؤمن بك ونرسل معك بني إسرائيل. فدعا ربه - عز وجل - فكشفه عنهم، فلم يؤمنوا. ذلك قوله - عز وجل: (فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات) واحدة بعد أخرى.

الطوفان

ذكر الإمام الواحدي ذلك في تفسيره لهذه الآيات، فقال: "فدعا عليهم موسى، فأنزل الله عليهم ماءً من السماء حتى امتلأت بيوت القبط (أهل مصر) بالماء، ولم تدخل بيوت بني إسرائيل قطرة ماء واحدة"

الضفادع

فأرسل الله عليهم ضفادع، فملأوا بها بيوتهم، ولحق بهم أذى شديد لم يلحقهم قط، فكانت تنقض على قدورهم، وتفسد طعامهم، وتطفئ نيرانهم. قالوا: يا موسى، ادع ربك أن يكشف عنا الضفادع، فقد لَقَينا منها بلاءً عظيمًا وأذى، ولنؤمنن بك، ونرسل معك بني إسرائيل.

القمل

أما القمل، وهو القراد، فكان يسبح في ثيابهم وأجسادهم وفرشهم وطعامهم، فكانوا يعانون منه أشد المعاناة والأذى في يقظتهم ونومهم وفي سائر أحوالهم.

الجراد

الجراد الذي أرسله الله تعالى على قوم فرعون بشكل غير مسبوق، فغطى الأرض، وحجب ضوء الشمس لكثرته، ولم يترك لهم زرعًا ولا ثمرًا ولا شجرًا، حتى قيل إنه كان يأكل مسامير الأبواب الحديدية حتى سقطت بيوتهم ومساكنهم.

البحر

إن حادثة انشقاق البحر إلى نصفين كالجبلين العظيمين، وحادثة التقاء الشطرين، وعودة البحر إلى ما كان عليه؛ كلاهما معجزة لموسى -عليه السلام- أمره الله -تعالى- في أول الأمر أن يضرب بعصاه، فضربها ضربة شقتها نصفين، وكان بينهما الطريق اليابس الذي نجا الله به بني إسرائيل من فرعون ووحشيته.


اجتمع الناس ليومٍ مُعين، وهو يوم الزينة

جلس فرعون على عرش مملكته، واصطفّ له أشراف دولته، ووقفت الرعية عن يمينه وشماله. تقدّم موسى عليه السلام متكئًا على عصاه، ومعه أخوه هارون. ووقف السحرة صفوفًا أمام فرعون، فحرضهم وحثّهم على العمل الصالح في ذلك اليوم، وتمنّوا له، وهو يُهيئهم ويُؤمّلهم.


قال تعالي

فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41)

اجتمع السحرة، وهم أهل العلم والحكمة، وخاطبوا رئيس الدولة والإله المزعوم: فرعون. قالوا له: لنا أجر إن كنا من المنتصرين. أمام نخبة المصريين وجماهيرهم، لم يبالوا بأن عملهم يتطلب أجرًا. أما موسى عليه السلام، فلم يكن ليأخذ أجرًا من فرعون ولا من غيره على دعوته.


قال تعالي

قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42)

حتى الآن: كان فرعون واثقًا تمامًا بأنهم هم المنتصرون، وأن من جاء متكئًا على عصا موسى -عليه السلام- بعد أن كُسِبَت الملوك، سيأتي متكئًا على عصا ويدّعي (في نظر فرعون) أنها ستتحول إلى ثعبان كبير. والأهم من ذلك: أن فرعون، الذي كان واثقًا بانتصار السحرة، قال لهم: "بلى، لكم أجر، وليس ذلك فحسب، بل ستكونون من المقربين من الملك فرعون وحاشيته"


قال تعالي

قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ (43)

بدأت حلقة النقاش العملي: اليوم عيد، والناس يجتمعون بطبيعتهم، بل ويزدادون اجتماعًا ليروا من سينتصر؟ فألقى موسى عليه السلام الكرة في ملعبهم - إن صح التعبير - فبدأوا بإلقاء عصاهم وسحرهم.


قال تعالي

فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (44)

فبدأوا يلقون بسحرهم على الأرض، وكان معظمه من العصي والحبال، وأقسموا بمجد فرعون أنهم سيكونون هم الفائزين.


قال تعالي

فَأَلْقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45)

فألقى موسى عصاه (التي درّبها الله تعالى – إن صح التعبير) أمام هذا المشهد العظيم، فالتقطت عصاه ما كانوا يكذبون به، وهو أشد أنواع الكذب (حيث بدا للناظر أنها تتحرك، ولكنها في الحقيقة لم تكن كذلك).


قال تعالي

فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46)

انظر إلى كلمة (ألقوا) فهي إشارة إلى أنها لم تكن خطة مدروسة مسبقاً، بل كانت خطة عفوية غريزية ظهرت فجأة، فسجدوا لله رب العالمين، لأنهم علموا أن هذه الحية الضخمة (عصا موسى التي تحولت إلى حية) لا يمكن أن تكون سحراً من النوع الذي يقدمونه للناس.


قال تعالي

قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ (48)

فأعلنوا إيمانهم مع علمهم بعواقب ذلك بسبب ظلم مدعي الألوهية فرعون.


قال تعالي

قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ۚ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49)

فغضب فرعون غضبًا شديدًا، وقام وقال: آمنتم به قبل أن آذن لكم، فانقلب السحر على الساحر كما يقولون. قال لهم: بعد أن أحبوهم قليلًا، صاروا في طرفة عين: هو قائدكم الذي علمكم السحر. هكذا يغير الناس اقوالهم كما يغيرون ملابسهم ويدورون حسب مصالحهم فقط. هددهم (فستعلمون قريبًا) وبدأ يعدد لهم العذاب الذي ينتظرهم.


قال تعالي

قَالُوا لَا ضَيْرَ ۖ إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51)

قال ابن حجر: "شدة الموت لا تدل على نقصان الدرجات، بل هي للمؤمن إما زيادة في حسناته، أو تكفير لسيئاته". انتهى. وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يجد الشهيد ألم الموت إلا كما يجد أحدكم ألم القرصة". رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

مغزى القصة

يعمل العبد بأعمال أهل الجنة حتى لا يفصله عنها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بأعمال أهل النار، فيدخل النار.

نجاة موسى وبني إسرائيل معه

ماذا تعني لك عبارة (نجى موسى من فرعون)؟ العزة - النصر - التمكين بعد الضعف - صحيح؟ لو تأملت هذا لصدقته. أما أن يظفروا بالنصر دون جهد، فهذا محال. وأما أن لا يدفعوا الثمن، فهذا محال أيضاً. أما المحال الثالث: أن ينجو موسى دون معالجة شديدة، لا لسبب إلا أنه من اولو من العزم. الرسل العزم هم خمسة أنبياء ورسل من الله تعالى (نوح - إبراهيم - موسى - عيسى - محمد) صلوات الله عليهم أجمعين. كان هناك أنبياء من السماء، لكن هؤلاء الخمسة عاشوا حياةً مليئةً بالمصاعب والتحديات، أشدّ من أي أنبياء آخرين. سُمّوا بهذا الاسم لصبرهم الشديد في تبليغ رسالتهم حتى أنعم الله عليهم بالنصر.


١- المرحلة الأولى

استمرّ أقباط مصر على كفرهم بموسى ورسالته، وعنادهم ووقوفهم مع فرعون.


من هم أقباط مصر؟

"الأقباط" كلمةٌ كانت تُطلق على أهل مصر، مهما كانت ديانتهم، ولم يكونوا مسيحيين كما يعتقد البعض، إذ لم تكن المسيحية قد ظهرت بعد.


فهل جاءهم موسى برسالة، أي إلى الأقباط؟

وبالطبع، نزلت عليهم أنواعٌ من العذاب كنوعٍ من المعجزات، وكانت جميعها معجزاتٍ حسية، كالدم النازل من صنابير المياه، والجراد، والضفادع، وغيرها. الغرب اليوم يسميها غضب الطبيعة، والمؤمنون بالله في كل عصر يسمونها غضب الله، أو هي هنا معجزة حسية ليؤمن من آمن بالبينة، وليكفر من كفر بالبينة من أمره، استمر فرعون في ظلمه وجوره وكفره وطغيانه، مغرراً بقومه عن الدين الحق، فما الدليل على ذلك؟


قال تعالي

{فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ} [يونس: 83]

فأهل مصر، سمّوهم صفوة النخبة، - سمّوهم غير الضعفاء، الذين آمنوا منهم قليلون لأنهم خافوا من وحشية فرعون وقومه. الملأ: هم الذين يملؤون الصفوف الأولى في القصور والحفلات وغيرها من الاحتفالات الرسمية، وهم الذين يملؤون العيون بالروعة، وهم أصحاب الياقات البيضاء العالية، لأن أقباط مصر كانوا يخافون من هؤلاء الناس، وبالطبع فرعون أيضًا، ثم يعلق الله تعالى على هذا الوضع بقوله إن فرعون كان متكبرًا في الأرض وكان من المسرفين.


٢- المرحلة الثانية ((بناء بيوت مميزة في مصر))

أوحى الله تعالى إلى نبيه موسى وأخيه هارون - عليهما السلام - أن يجعلا لقومهما بيوتاً مميزة عن بيوت القبط، ليكونوا على استعداد للخروج إذا أُمروا بذلك، وليعرف كل منهم بيت الآخر.


قال تعالي

﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾

وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوأ لقومكما بمصر بيوتًا واجعلوا بيوتكم قبلات وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين. تحمل الآية الكريمة معاني الولاء والبراء، والهوية، والاختلاف، والحفاظ على الهوية الدينية بين العامة. والأهم من ذلك: أن الله تعالى أمرهم باتخاذ بيوت مميزة لبني إسرائيل، وأن تكون قبلة بين موسى وأخيه هارون - عليهما السلام - يلجأ إليها المؤمنون كلما احتاجوا إلى أمر، حتى لو كان أمرًا روحانيًا كالثبات على الإيمان. والله عليم.

٣- المرحلة الثالثة (موسى عليه السلام - لقاء أتباعه)

فينصحهم، ويثبتهم، ويهديهم، ويربطهم بخالق الأرض والسماوات، لأن المؤمنين ينسون الذكر، وما سمي بشر إلا منسيًا. قال تعالى: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ). فقال الله تعالى عن موسى عليه السلام وهو يحث بني إسرائيل على الالتزام بعهد الإيمان:


قال تعالي

{وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ} [يونس: 84].

نستفيد من الآية الكريمة: أن التوكل على الله -تعالى- جزء من رحلة الإيمان لكل إنسان على حدة، والإيمان وإن كان سهلاً أن تقول لا إله إلا الله بورقة ورثتها من أهلك، إلا أن التوكل شيء عملي وليس مجرد كلام، وإن كان عملياً إلا أنه طاعة قلب، وأعمال طاعة القلب لا ينالها المؤمنون إلا من ارتقى في إيمانه، والتوكل اختبار، ليس كلاماً فارغاً توكل على الله وهذا كل شيء، بل الاختبار شديد: أن يجعلك في إطار الصورة وحدك بلا أنصار، فإذا عزمت على المضي قدماً رغم كثرة المتقاعسين من حولك، فأنت حقاً متوكل على الله، وانظر إلى كلام بني إسرائيل حين عززهم موسى عليه السلام


قال تعالي

{فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[يونس: 85]
المرحلة الرابعة (موسى عليه السلام يطلب من الله تعالى القسوة على فرعون وحاشيته)

قال تعالي

{وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ} [يونس: 88]

لماذا لعن موسى عليه السلام فرعون وحاشيته وهو خارج ديارهم في أحضانهم؟ لقد أدرك موسى عليه السلام أن الزينة والمال والأولاد فتنة عظيمة من الفتن الأربع الكبرى في هذه الحياة، لا ينجو منها إلا القليل سالمًا منتصرًا عند الله تعالى، وهي (المال، والجمال، والجاه، والعلم). فمن غلب عليه شيء منها أو كلها قلّما يحب الله أو يحب أوامره سبحانه، أو على الأقل لا ينشغل بها عنه سبحانه.


فماذا كان رد فعل الله تعالى على دعوة موسى وهارون؟ هل تركهما؟ لا، بل قال لهما


قال تعالي

{قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا، {فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} [يونس: 89]
السؤال هنا هو

لم نسمع عن خراب قصور فرعون وحاشيته حتى ماتوا، فكيف (استجيب لدعاء موسى وهارون عليهما السلام)؟ هل الله -عز وجل- لا ينفذ كلامه، والعياذ بالله، بل ينفذهما ولكن بطريقة أخرى، حيث أورث كل ما كان لديهما لموسى وهارون والمؤمنين معه؟ بالطبع، الله عليمٌّ حكيم. والأغرب من ذلك أنه -سبحانه- لم يستجب لدعائهما فورًا وظنّهما لا، بل أمرهما بالصلاح وعدم اتباع سبيل المفسدين. لماذا؟ لماذا يُثقل الله تعالى المؤمنين بالأوامر والنواهي في الأوقات العصيبة ويترك العصاة والمجرمين والمفسدين على حالهم ويزيد عليهم في الأوامر؟ وهذا عجيب حقاً، لأن الأصل أن ييسر الله أمر موسى وهارون لأنهما من حمل دعوته ونشرها بين المصريين، وليس الحق أن صلاح موسى وهارون هو خير ما يصلح دعوتهما حتى لا يسقط لحظة في عين فرعون وحاشيته ويكون رقماً صفراً يؤثر فيه. والله عليم.

المرحلة الخامسة (الخروج من مصر إلى الشام)

حانت اللحظة الحاسمة التي أعدها موسى وهارون والمؤمنون معه لسنوات. قبل أن نبدأ الحديث عن هذه المرحلة، يخطر ببالنا سؤالٌ مُلِحّ: لماذا غادروا مصر وهم سيرثون قصور بني إسرائيل وأموالهم وجواهرهم؟ لماذا الهجرة إذن والعذاب النفسي؟ الهجرة ليست حقيبة سفر إلى الساحل، بل هي حقيبة مليئة بالذكريات. الحقيقة أننا لا نعلم ما يريده الله تعالى، ولكن لعل الله تعالى عندما يُنجيك من مأساة حقيقية، لا تجلس في نفس المكان الذي عذبت فيه طويلاً. اخرج واترك خلفك كل العذاب النفسي، وربما الجسدي. عندما تعود، لن تجد بلدك كما كنت، ولن تجد نفسك كما كنت. كل شيء قد تغير للأفضل، وللأحسن، وللأكمل بإذن الله.

العودة إلى اللحظة الحاسمة

قال تعالي

{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ إِنَّ هَؤُلاَء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ} [الشعراء: 52-60].

أي أن فرعون تبع موسى وهارون وبني إسرائيل مع الجنود، وأدركهم عند طلوع الشمس. فرأى الجيشان بعضهما البعض، كل فريق يرى الآخر بوضوح. خاف المؤمنون الذين كانوا مع موسى عليه السلام، فقالوا قولهم المشهور في تاريخ الأديان السماوية:


قال تعالي

{إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء: 61]

لأن البحر كان أمامهم، وفرعون وحاشيته خلفهم، كان الموت محتومًا. فكان رد موسى عليه السلام:


قال تعالي

{قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62]

بهذه البساطة، وهل ستطمئن هذه الكلمة المؤمنين به؟ ​​هل كان لموسى عليه السلام شخصية قوية؟ أعني القوة النفسية: قد تجد الرجل السمين، عندما يرى فأرًا، يهرب خوفًا، وقد ترى الرجل النحيف الضعيف: قوي الإرادة يهتز كل ما يراه من قوته النفسية. لنعد إلى موسى عليه السلام: والحقيقة أن إيمان موسى ارتفع في صدره إلى أعلى مراتب الإيمان، كأنه رأى النصر أمام عينيه، وكانت هذه القوة كافية لحمل المؤمنين من بني إسرائيل معه.

المرحلة السادسة (اجتماع المجموعتين)

قال تعالي

{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} [يونس: 92].

لن نروي القصة المعتادة تذكروا فقط أن موسى عليه السلام، بعد عبوره مع بني إسرائيل إلى الضفة المقابلة من البحر، حاول سد البحر بعصاه، لكن الله تعالى منع البحر من سد الفجوة الهائلة التي حدثت فيه لحكمة بالغة أرادها الله تعالي ألا وهي (غرق فرعون وحاشيته في نفس البحر الذي نجا موسي منه ومن معه من الؤمنين من بني اسرائيل) الآن: يا تُرى كيف استطاع موسى عليه السلام، بإنسانيته واندفاعه النفسي المعروف، أن يتحكم في أعصابه في مثل هذا الموقف الصعب لتنفيذ أوامر الله تعالى؟ لم يعرف موسى حكمة الله ولم يفهمها، ومع ذلك نفذها. نحن لا نفهم حكمة الله تعالى في معظم ما يحدث في حياتنا، ونقف مصدومين وحزينين على موقف ربنا منا، مع إيماننا به. ثم تتضح الأمور، وتتضح حكمة الله، ولن يستطيع احد كائناً من كان (حتي ابيك وأمك) أن يدفعا عنك إرادة الله العليا في حياتك الشخصية

وانظروا! لقد انتهت قصة فرعون وحاشيته

وقصورهم، وسهرهم، وحديثهم مع موسى والمؤمنين استهزاءً بهم ... انتهى فصل، وسيبدأ فصل آخر، ينهض فيه المؤمنون من بني اسرائيل، وينهض فيه أهل الإيمان، وينتصر الحق لأول مرة في هذه المرحلة من التاريخ الإنساني الطويل، وانت في أي مرحلة الآن، ما قبل انشقاق البحر أم بعد النجاة - علي كلا هناك اختبار ينتظرك

قصة موسي عليه السلام وقومه مع القوم الجبارين

قال تعالي

﴿ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾

يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة -أي المطهرة، وهي "بيت المقدس" وما حولها- التي وعد الله أن تدخلوها وتقاتلوا مَن فيها من الكفار، ولا ترجعوا عن قتال الجبارين، فتخسروا خير الدنيا وخير الآخرة.

قال تعالي

﴿ قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ﴾ المائدة: 22]

يا موسى، إن فيها قومًا أشداء أقوياء، لا طاقة لنا بحربهم، وإنَّا لن نستطيع دخولها وهم فيها، فإن يخرجوا منها فإنَّا داخلون.


قال تعالي

﴿ قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾[ المائدة: 23]قال رجلان من الذين يخشون الله تعالى، أنعم الله عليهما بطاعته وطاعة نبيِّه، لبني إسرائيل: ادخلوا على هؤلاء الجبارين باب مدينتهم، أخْذًا بالأسباب، فإذا دخلتم الباب غلبتموهم، وعلى الله وحده فتوكَّلوا، إن كنتم مُصدِّقين رسوله فيما جاءكم به، عاملين بشرعه.

قال تعالي

﴿ قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾[ المائدة: 24]

قال قوم موسى له: إنا لن ندخل المدينة أبدًا ما دام الجبارون فيها، فاذهب أنت وربك فقاتلاهم، أما نحن فقاعدون هاهنا ولن نقاتلهم. وهذا إصرارٌ منهم على مخالفة موسى عليه السلام.


قال تعالي

﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ۖ فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾[ المائدة: 25]

وجَّه موسى إلى ربه داعيًا: إني لا أقدر إلا على نفسي وأخي، فاحكم بيننا وبين القوم الفاسقين


قال تعالي

﴿ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾[ المائدة: 26(


في الختام

نستفيد من مراحل نجاة موسى عليه السلام ما يلي

1- كم مرّ من الوقت بين بعثة موسى ونجاته من فرعون؟ الحقيقة أنه لا علم حقيقي، بل كل ما نفهمه أن سرعة سرد الأحداث في القرآن ليست هي نفسها في الواقع، بل هي سنوات وسنوات يمرّ بها موسى وهارون والمؤمنون معه يوميًا بأذى نفسي من جراء إنكار النخبة الفاسدة، وقد أتم ما أوكله الله إليه دون كلل أو ملل أو يأس حتى نجاه الله، وهو أن النجاة في بداية الطريق لا يعرف لونًا ولا طعمًا ولا رائحة، أي أنه شيء معنوي، ليس مادي مطلقاً، فكيف يتلألأ في ذهن من ينتظر امل لا يأتي دون أن يكون شيئًا ماديًا أمامه كما سارعت بنو إسرائيل، إنه ثمرة التوكل، وكل أعمال القلب، وليس لماديات هذه الحياة دور في حساباتها.


٢- المؤمنون أشد بلاءً من الكافرين. عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: سئل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ الناس أشد بلاءً؟ قال: ((الأنبياء، ثم الأمْثَلُ فالأمثل، يُبتلَى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زِيدَ صلابةً، وإن كان في دينه رقَّةٌ خُفِّف عنه، ولا يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض ما له خطيئة))


٣- الهجرة من موطننا الأصلي مكتوبة على كل مؤمن فيما يبدو في آخر الزمان، وهي اقتلاع وزرع في بقاع أخرى قد لا تشبهنا ولا نعلم عنها شيئًا، وهي مشيئة الله - جل وعلا.


4- العاقبة للمتقين - العاقبة للمؤمنين - العاقبة للمفلحين فسلام على موسى وهارون أعظم أخوين في تاريخ البشرية، ساند كل منهما الآخر في الشدائد، وبقيت الأخوة في النصر، تُعلم وتُثقف بني إسرائيل (مؤمنين هذه الحقبة من التاريخ)

السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا كمسلمين

هل نحن مؤمنون حقًا؟ هل نحن مستقيمون في اتباع أوامر الله؟ ألسنا تابعين للمفسدين؟ لو انتظرنا النصر، متى، أين، أو شممناه، فلا بأس. الأهم أن ننتظره بإيمان ويقين، ونعلم أن شهداء كثيرين سيسقطون من بيننا، وأن قليلًا سيبقى ممن أراد الله لهم أمرًا عظيمًا. والله أعلي واعلم.


تعامل موسى مع بني إسرائيل بعد خلاصهم (المرحلة الأخيرة: مرحلة ما بعد النجاة)

قال تعالي

{وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) الْقَصَصِ/5- 6

قال تعالي

(وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} [الْأَعْرَافِ:137

بين آية سورة القصص وآية سورة الأعراف، مرّ أكثر من أربعين عامًا، أي أن جيلًا مختلفًا تمامًا من بني إسرائيل هو من شهد النصر.

وقد اختلف العلماء في ميراث بني إسرائيل، وهل المقصود مصر أم الشام؟

القول الأول

أن بني إسرائيل رجعوا إلى أرض مصر واستوطنوها.


القول الثاني

أنهم استولوا عليها ونقلوا ما فيها وساروا بها إلى الشام واستوطنوها.


القول الثالث

أنهم استولوا على أرض مصر وكنوزها ومدن فرعون بعد ذلك مدة في عهد داود وغيره.


قال الحسن

أن بني إسرائيل رجعوا إلى مصر بعد هلاك فرعون.


قال مقاتل

أن الله تعالى أعاد بني إسرائيل إلى مصر بعد أن غرق فرعون وقومه.

روى أبو حفص النسفي عن وهب قال

لما عبروا البحر، بعث موسى عليه السلام جيشين عظيمين، كل جيش في اثنا عشر ألف رجل. فحفر يوشع بن نون وكالب بن يقنة، وهما اللذان أنعم الله عليهما، مدائن فرعون وخزائنه، وكانت خالية يومئذ من أهلها. فهلكوا، ولم يبق إلا النساء والأطفال والشيوخ والعجزة. وأخذوا أموالهم من الذهب والفضة والجواهر والمتع، مما لا يعلمه إلا الله عز وجل. وأورثهم الله ديارهم وأموالهم، وذلك قوله تعالى: {وكذلك أورثناها بني إسرائيل}. فهلك ذلك كله، وسلب منهم مجدهم العظيم في الدنيا. وهلك الملك وحاشيته وأمراؤه وجنوده، ولم يبق في بلاد مصر إلا العامة والرعية.

ذكر ابن عبد الحكم في تاريخ مصر

أن نساء مصر منذ ذلك الحين غلبن على رجالهن، إذ تزوجن نساء الأمراء والنبلاء من دونهم، فغلبن عليهم. واستمرت هذه العادة لدى نساء مصر إلى يومنا هذا.

وعد الله تعالى لموسى عليه السلام بعد خلاص بني إسرائيل أربعين يومًا

قال تعالي

وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً... (الأعراف:142)

كان بدء نزول التوراة بعد أن نجى الله قومه بني إسرائيل من العبودية، وجعلهم أمة حرة قادرة على القيام بما شرعه الله لهم من العبادات وأحكام المعاملات.

قال الشيخ ابن سعدي في تفسيره

"ولما أتمّ الله نعمته عليهم بنجاتهم من عدوهم وتمكينهم في الأرض، أراد تبارك وتعالى أن يتمّ نعمته عليهم بإنزال الكتاب فيه الأحكام الشرعية والمعتقدات المقبولة، فعيّن لموسى ثلاثين ليلة، وأكملها بعشر، فأصبحت أربعين ليلة، ليتهيأ موسى ويستعد لوعد الله، وليكون لنزوله منزلة عظيمة عندهم، ويشتاقون إلى نزوله"

والسؤال هنا: لماذا وعد الله نبيه موسى، ولماذا قال "ليل" ولم يقل "نهار"؟

يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله في خواطر:

"... عندما يتحدث الدين عن الزمن، فإنه يتحدث دائمًا عن الليل. والسبب في ذلك أنه لا يمكن تحديد الزمن بدقة بالنهار. فالشمس تشرق وتغرب ثم تشرق مرة أخرى. فإذا نظرت إلى قرص الشمس، لا يمكنك تحديد أي وقت من الشهر نحن فيه. هل هو في بدايته أم منتصفه أم نهايته؟ أما إذا حلّ الليل، فبمجرد النظر إلى القمر يمكنك تحديد الوقت. إذا كان القمر هلالًا، فنحن في بداية الشهر. وإذا كان بدرًا، فنحن في منتصفه، وهكذا." ويضيف الشعراوي: "للقمر قياسات دقيقة وقياس للوقت في عادات الناس، ويمكن للشخص العادي تحديد الوقت تقريبًا بالليالي. سيخبرك بدوي في الصحراء: هذا القمر عمره كذا وكذا ليلة" ، في منطق الدين، نحسب كل شيء بدخول الليل.. هذه أول ليلة من رمضان نصلي فيها التراويح.. وليلة العيد لا نصلي فيها التراويح.. وليلة النصف من شعبان.. وليلة الإسراء والمعراج.. وفي جميع مقاييس الدين، لا يتبع الليل النهار إلا في شيء واحد، وهو يوم عرفة.. فلا نقول ليلة عرفة، بل نقول يوم عرفة.. فالليل هو بداية الزمان في الدين.. والزمان عند الله اثنا عشر شهرًا من سنة واحدة.

قصة عبادة العجل
من صنع العجل؟

السامري

من هو السامري، وكيف عبد بنو اسرائيل العِجل؟

اسمه ميخا، وقيل: موسى بن ظفر، وقيل: السامري نسبةً إلى قبيلة من بني إسرائيل تُدعى السامرة. كان يعمل في مهنة الصياغة، وعاش بين قوم يعبدون العجل. فلما نجا مع بني إسرائيل من فرعون وقومه، فوجدوا قومًا يعبدون الأصنام. فطلب من موسى عليه السلام أن يجعل لهم آلهة مثلهم، كما قال الله تعالى: ﴿ ۞ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾[ يونس: 90 فتذكر السامري أن جبريل عليه السلام كان في مقدمة جنود فرعون وقادهم إلى البحر، وهو راكب على فرس، فرأى السامري طرف حافره، فأخذ من أثره (أثر) ووضعه معه في كيس، وطلب من بني إسرائيل ذهبًا وحليًّ، فصهره، وألقى التراب الذي كان يحمله معه (أثر سيدنا جبريل عليه السلام) على الذهب المذاب، وصنع لهم عجلًا، وطلب منهم أن يعبدوه، فكان سببًا في فتنتهم. وقيل: إن هذا العجل يحدث صوتاً كالخوار إذا دخل الريح من مؤخرته لأنه أجوف من الداخل، فرجع بنو إسرائيل عن دينهم وعبدوا العجل.


قال تعالي

(قالَ فَإِنّا قَد فَتَنّا قَومَكَ مِن بَعدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السّامِرِيُّ* فَرَجَعَ موسى إِلى قَومِهِ غَضبانَ أَسِفًا قالَ يا قَومِ أَلَم يَعِدكُم رَبُّكُم وَعدًا حَسَنًا أَفَطالَ عَلَيكُمُ العَهدُ أَم أَرَدتُم أَن يَحِلَّ عَلَيكُم غَضَبٌ مِن رَبِّكُم فَأَخلَفتُم مَوعِدي)
رد فعل سيدنا موسى عليه السلام على عبادة بني إسرائيل

لما رجع موسى عليه السلام من لقاء ربه، فوجد قومه يعبدون العجل، غضب غضبًا شديدًا، ووبخهم، وأدان ما فعلوه في غيابه. كما وبخ أخاه هارون عليه السلام على سكوته عما فعلته بنو إسرائيل من عبادة العجل. ثم توعد السامري بالعذاب في الدنيا والآخرة، وألقى العجل في اليم. وأمر قومه بعبادة الله تعالى وحده لا شريك له


هل تركهم هارون - عليه السلام - يعبدون العجل؟

ثم ذكر الله تعالى توبيخ هارون - عليه السلام - لهم، فأصروا على عبادة العجل حتى رجع إليهم أخوه موسى - عليه السلام. فماذا فعل موسى عندما علم أن بني إسرائيل يعبدون العجل؟


قال تعالي

وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي ۖ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ۖ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ۚ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150)

ثم أحرق موسى - عليه السلام - العجل ورماه في البحر

وقال لقومه: ليس هذا إلهكم، وإن الله عز وجل هو الإله الحق الذي لا بد من عبادته وحده، يعلم كل شيء، وقد أحصى كل شيء، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض. وقد ذكر الله عز وجل ذلك في قوله: ﴿ إِنَّمَا إِلَٰهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾[ طه: 98


توبة بني إسرائيل من عبادة العجل

بعد أن اعترف بنو إسرائيل بخطئهم، طلب منهم نبيهم موسى عليه السلام اختيار سبعين رجلاً من خيرة رجالهم، وطلب منهم التوجه إلى الله تعالى والتوبة إليه مما فعلوا، وأن يطلبوا منه التوبة عنهم وعن قومهم من بني إسرائيل. وطلب منهم الصيام وتطهير ثيابهم، وخرج معهم إلى طور سيناء لموعد حدده له ربه. فلما كلم موسى عليه السلام ربه، طلبوا منه الاستماع إلى كلام الله تعالى، فدخل القوم تحت سحابة وسقطوا سجدًا، فسمعوا كلام موسى عليه السلام مع ربه، وطلبوا من موسى عليه السلام رؤية الله تعالى، فأخذتهم الصاعقة فماتوا جميعًا (السبعون رجلًا).


فاستغاث موسى - عليه السلام - بالله - تعالى، فردّ عليه أرواحهم، وسأله التوبة عنهم، فقال: لا، إلا أن يقتلوا أنفسهم. وقد ذكر الله تعالى بعض ذلك في قوله: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [ البقرة: 54] وقد رجح علماء التفسير أن قتلهم لأنفسهم كان قبل توبة الله عليهم، لأن الله تعالى ذكر بعد ذلك في الآيات أنه تاب عليهم، وأن الأمر بقتل أنفسهم قد نسخ رحمةً بهم من الله تعالى.

الخلاصة

1- الإنسان العصبي أحيانًا أو دائمًا يكون أنظف من الإنسان الهادئ اللئيم. فأخذ سيدنا موسى عليه السلام لحية أخيه هارون عليه السلام، وجذبه نحوه، دلالةً على نوع من الخوف على الإيمان، والثبات، والعزيمة، وعدم التهاون في القيادة.


٢- القيادة بالحزم، أم القيادة بالتسامح: أيهما أفضل؟ لو اجتمعا لقادا على أكمل وجه، ولو افترقا لكان كلٌّ منهما دون الآخر لا يكتمل (موسى وهارون عليهما السلام) في قيادتهما لبني اسرائيل











الخلاصة

بين كل ضعف وتمكين فترة عصيبة تُسمى (الابتلاء)، وقد تكون قاسية وطويلة أحيانًا لأسباب عدة:

1- لم نتعلم الدرس بعد، فيتكرر المشهد مرارًا وتكرارًا حتى تعرف عدوك من صديقك، عدوك هو الشيطان، وأحيانًا نفسك، وأحيانًا عدو واضح وصريح، لكنك اعتبرته صديقًا، فتعاني، تعاني حتى تتعلم.


2- أحيانًا بسبب قوة دينك (وهو ثابت)، يحاربك الشيطان بخطواته الثمانية (أن تكفر بالله فلا يجدك كافرًا) (أن تشرك بالله ولو رياءً فلا يجدك مشركًا) فيفعل الخطوة التي تليها حتى يصل إلى الخطوة الأخيرة معك (فتنةً بينك وبين المؤمنين). فإذا بلغتها فاعلم أن الشيطان قد جرب بك مراراً


قال تعالي

وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ

عندما نجى الله تعالى بني إسرائيل من عبودية فرعون وحاشيته (الأقباط: سكان مصر) وعبروا البحر إلي الجانب الآخر، أضل بعضهم أو أكثرهم السامري فعبدوا العجل، وانتهى الأمر بقبول الله تعالى توبة سبعين رجلاً من بني إسرائيل ذهبوا مع موسى عليه السلام للتوبة، وكان من خيرة رجال بني إسرائيل إيماناً. والآن: بدأت الأحكام تنزل على بني إسرائيل كما فعل محمد وأصحابه صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة إلى المدينة: فسألهم موسى بأمر إلهي من الله تعالى: وَأَوَّلُ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ بِالشُّكْرِ عَلَى نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، قَالَ لَهُمْ علي لسان القرآن


قال تعالي

اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا

أحرارٌ، مُدبِّرونَ أموركم. ماذا كنتم يا بني إسرائيل في مصر؟ ماذا كنتم في عهد فرعون؟ ألم تكونوا عبيدًا؟ ألم تُضطهدون؟ ألم تُذلُّوا؟ سيطر عليكم القبط. لم تكونوا مُدبِّرينَ أموركم. الآن، أنعم الله عليكم، وأصبحتم مُدبِّرينَ أموركم. أصبحتم أحرارًا. أهلك عدوكم، وأغرق فرعون وجنوده، أمام اعينكم، فأصبحتم ملوكًا أصبحتم أحرارًا، مُدبِّرينَ أموركم، وقادرينَ على إقامة دينكم. أنتم ملوك. قال بعض العلماء


كابن عباس (وجعلكم ملوكا)

الملك: من له خادم وزوجة ودار. قال: «المرأة والخادم. كان الرجل من بني إسرائيل إذا كانت له زوجة وخادم ودار سُمي ملكًا». [تفسير ابن كثير: 3/73]. روى مسلم رحمه الله في صحيحه أن رجلاً سأل عبد الله بن عمرو بن العاص فقال: ألسنا من فقراء المهاجرين؟ قال له عبد الله: هل لك زوجة تأوي اليها؟ قال: نعم. قال: هل لك دار تسكنها؟ قال: نعم. قال: فأنت إذًا من الأغنياء. قال: ولي خادم. قال: فأنت إذًا من الملوك. رواه مسلم: 2979


وَلَقَدْ آتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ

قال العلماء

أي: كانوا يومئذٍ أشرفَ أمة. لم تكن أمةٌ في زمن بني إسرائيل أشرفَ من أمة بني إسرائيل. كانوا أمةَ الأنبياء، أمةَ القادة، أمةَ الدعاة، أمةَ العلماء والعباد، على ما فيهم من عوجٍ وانحرافٍ وضلالٍ وعنادٍ وتمردٍ وفجورٍ وخداع. ولكن كان فيهم قادةٌ وشهداءٌ وأنبياءٌ وعلماءٌ وفضلاء. كانوا خيرَ أهلِ زمانِهم، خيرَهم عند الله، أكملُهم شرعًا، وأقومُهم منهجًا، وأعظمُهم ملكًا، وأكثرُهم رزقًا.


قال تعالي

يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ

وأمر بالجهاد وعدم إعطاء العدو اليد العليا أو التراجع والاستسلام، فإن فعلتم: رجعتم من حيث أتيتم بالخسارة بدلاً من النصر والخلاص. حيث بدأ التحريض على الجهاد لدخول القدس التي استولى عليها العمالقة، فأمر موسى بني إسرائيل بدخول القدس، واقتحام المدينة ضد الأعداء، وبشرهم بالنصر، لكنهم رفضوا وعصوا وخالفوا أمره وتمردوا عليه، فعاقبهم الله تعالي بالتيه أربعين عاماً لا يعرفون كيف يخرجون من الصحراء


قال تعالي

قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ

كانوا جبناء وخوافين: قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين، لن ندخل البيت الحرام حتى يخرجوا منه أولًا، فإن خرجوا دخلنا. هذا جبنٌ وتقصيرٌ في القيام بمهمة الجهاد الموكلة إليهم. لم يُخيّرهم نبيهم موسى عليه السلام، بل أمرهم فأبوا. لم يترددوا، بل رفضوا، أو اشترطوا عليهم الامتثال للأمر. فهل يُتوقع أن يخرج الأعداء من البلاد بلا ثمن؟ وهل يُتوقع أن يخرج الأعداء ويسلموا المدينة لهم؟ هذا سوء أدب مع نبيهم موسى عليه السلام، وذلك لجبنهم وضعف إيمانهم وضياع حكمتهم وحرمانهم من التوفيق


قال تعالي

قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

في هذا المشهد المشين لبني إسرائيل: إلا رجلان اعترفا بنعم الله عليهما في تحررهما من عبودية فرعون وحاشيته، وأنهما تولوا أمرهما وأصبحا أحراراً، قاما وقالا لبقية بني إسرائيل المتقاعسين: ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله توكلوا إن كنتم مؤمنين.


قال تعالي

قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ

حين حثهم الرجلان الشجاعان منهم، ففكروا وقرروا أنهم لن يدخلوها أبدًا ما دام العمالقة فيها، ثم ارتفعت الأصوات بطباع سيئة: اذهب أنت وربك فقاتلا، نحن قاعدون هنا.


قال تعالي

قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ

قام موسى عليه السلام إلى ربه وقال: لا أملك إلا نفسي وأخي هارون عليهما السلام، ثم دعا أن يفرق بينهما وبين القوم الفاسقين: الذين يعصون. ويقال إن التمر فسق حين ينفصل عن قشرته. وتسمى أنثى فأرة الجبل "فويسقة"، ولها مخبآن: تلة خفية تخفي فيها صغارها وفريستها، وتلّة خالية أمامها تخدع بها الهوام فلا تجد فيها شيئًا. فهي لئيمة. وسمي الفاسق بهذا الاسم لأنه عصى بخسة من جانبه. والله عليم.


قال تعالي

قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ

يُقال: لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه. فعلوا ما أرادوا، وكان لهم حرية الاختيار، لكن لم يكن لهم خيار في النتيجة: كانت النتيجة التيه في الأرض - كما يُقال في سيناء الحبيبة بأرض مصر - لم يستطيعوا الخلاص من التيه ولم يصلوا إلى وجهتهم النهائية.

ولكن لماذا أربعون عامًا تحديدًا؟

حتى يخرج جيل جديد كلياً، الجيل في الماضي كان كل 40 سنة، فيخرجون بعقيدة ثابتة ولا يخاطبون الله تعالى بهذا الشكل، ويعرفون نعمة الله في الخروج من البرية ولا ينكرونها كما ينكرون نعمة الخروج من عبودية فرعون وحاشيته، ولو تأملت: إنها عقوبة قاسية: يسافر الإنسان 3 أيام في رحلة يتوقف فيها في محطات العبور ورغم هذا يقول أنا متعب جداً في هذه الرحلة، فماذا عن: التيه 40 سنة، لا يبقون في مكان إلا ويتركونه بعد ذلك، لا استقرار، حتى جيل جديد نشأ في هذه البرية.


ثم يخاطب الله تعالى موسى - عليه السلام - قائلاً: فلا تأسي على القوم الفاسقين. فما الأسي؟ الأسي هو الحزن الشديد يُصيب صاحبه بأمراض بدنية. قال الله تعالى: (وَقَالَ يَا أَسْفَى عَلَى يُوسُفَ فَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ). أصابه الحزن بمرض في عينه أدى إلى العمى.... وقال الله تعالى مثل ذلك لمحمد صلى الله عليه وسلم: (فَلاَ تذهب نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حسرات)، حزنٌ بعد حزن يُصيبك بمرض جسدي. والله عليمٌّ حكيم.


حال بني إسرائيل في التيه

حرم الله عليهم القرية التي رفضوا دخولها أربعين عامًا، ولم يحرمهم الحرمان فحسب، بل التيه في الصحراء أيضًا. يخرجون في الصباح يبحثون عن مخرج، ولا تغرب الشمس حتى يجدوا أنفسهم في المكان الذي بدأوا منه يبحثون، لا يجدون مخرجًا من الصحراء.

العذاب الأول

أربعون عامًا يتيهون في البرية

العذاب الثاني

هذا الجيل لن يدخلها أبدًا، مُحرَّم عليهم هذا عذاب، وهذا الجيل كتب عليه التيه في البرية أربعين عامًا، وقد اختاره ابن جرير رحمه الله

إليكم لمحات

يمكنهم دخولها بعد الأربعين ولكن خلال هذه المدة سيبقون تائهين في الأرض هذا لا يعني أن الجيل بأكمله لن يدخلها، بل سيُمنعون من دخولها أربعين عامًا، ثم يجوز لهم دخولها، بل دخلها بعضهم بناءً على هذا القول. هذا الجيل اعتادوا العبودية، فلم يكونوا مستعدين للقتال، وكانوا جبناء عند المواجهة، فكان لا بد من القضاء على هذا الجيل الذي فسد وشاخ، ولم يعد هناك فائدة من إصلاحه، فتاهوا في البرية، ومات موسى وبنو إسرائيل في البرية، فكان من الحكمة أن يتجول ذلك الجيل في البرية حتى يهلك ويموت، ليخرج جيل آخر نشأ في البرية بشدتها وجبروتها وظروفها الصعبة، ليخرج جيل يستطيع المواجهة، دون إذلال الآباء، بل ينشأ في هذه البيئة القاسية، ويكون قادرًا على القيام بالمهمة، وبالفعل بعد أن تولى موسى عبده وعبده يوشع القيادة، وأوحى الله إليه، فصار نبيًا، وقاد الجيل الثاني من بني إسرائيل، وقادهم إلى النصر.


قال تعالي

۞ وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ۖ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ۖ قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ۚ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ ۗ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)

أنزل الله عليهم المن والسلوى. أما المن فقيل كالصمغ وطعمه كالعسل الذي يسقط على الشجر. وقيل الكركم، وقيل الخبز الرقيق، وقيل العسل الذي أنزل على كل إنسان صاعًا وأما السمان فهو طائر يشبه السمان. قالوا: أين الشراب؟ فأمر موسى أن يضرب الحجر بعصاه، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا، لكل قبيلة عين. قالوا: أين الظل؟ فأظلهم السحاب. قالوا: أين الثياب؟ طالت عليهم ثيابهم فلم يمزق ثوب لهم. فقالوا: يا موسى لن نصبر على طعام واحد أبدًا. فادعُ لنا ربك يُخرِج لنا مما تنبت الأرض من بقلها قثاها وثومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو خير بالذي هو دون الخير اهبطوا مصر فإن لكم ما سألتم فلما خرجوا من البرية نزع عنهم المن والسلوى


النقطة الأولى

مع غضب الله عليهم لعدم امتثالهم أمره بقتال عدوهم وعدو الله، إلا أنه لم يحرمهم من أصناف الطعام والشراب والمأوى واللباس التي يحتاجونها. وهذا إن دلّ على شيء، فهو يدل على أن الدنيا لا تساوي شيئًا عند الله، فهو يطعم منها المؤمن والكافر، والصالح والفاجر. أما العقاب، فكان عقابًا غير متوقع: ليس في الأساسيات (الطعام والشراب)، بل في الكرامة الإنسانية. فالإنسان الذي يغادر منزله ويبقى تائهًا هو نوع من قلة الكرامة الإنسانية التي هي من حقوق الإنسان اليوم. ومن حقوق الإنسان (حق امتلاك المسكن).


٢- كان المنّ (الطعام الحلو المذاق) كافيًا لإشباع حاجة الجسم من السعرات الحرارية، والسمان (الطائر المشوي: السمان أو غيره) يُشبع احتياجات الجسم الأساسية من الحديد والاحتياجات المعروفة من اللحوم، إلا أنه سهل الهضم، فلا يحتاج إلى قيلولة لفترة بعد الأكل كلحم الضأن مثلًا... تُلبى احتياجاتهم، ومع ذلك: كانوا يميلون إلى الفول والعدس... إلخ، مما يدل على أن عين الإنسان لا تشبع إلا بالتراب، مهما أخذ من الدنيا، فإنه يطلب غيره وغيره وغيره.


٣- يقول الله تعالى عن أهل الكتاب (اليهود والنصارى) (تحسبونهم جميعًا قلوبهم شتي). نبع ماء واحد كان يكفي، ولكن عندما تختلف القلوب تختلف معها الحاجات. هذا صحيح في اليهود. فهل حال المسلمين اليوم أفضل؟ لو لم تختلف القلوب لكفتنا أشياء كثيرة. ولكن بين ليلة وضحاها، منذ ستينيات القرن الماضي، أصبحنا خاضعين لنفس كلام الله تعالى (تحسبهم جميعا ولكن قلوبهم شتي والله اعلي واعلم)

قصة ذبح البقرة

قُتل رجل غني من بني إسرائيل، وكان بنو إسرائيل مجتمعًا صغيرًا منغلقًا، فكانت أي جريمة أو قتل لشخص غني أمرًا شائعًا، وتناقل بنو إسرائيل الخبر واحتاروا فيمن قتل الضحية، وتوجهت أذهانهم إلى الجميع، إلا القاتل الحقيقي لهذه الضحية، فلجأوا إلى موسى -عليه السلام- ليسألوا ربه -ولما سأل موسى ربه تبارك وتعالى، أمره أن يذبح لهم بقرة، فكانت المفاجأة لبني إسرائيل: ما صلة البقرة برجل غني مقتول؟ وبدأ استهزاء بني إسرائيل وعنادهم المفرط في كشف مواصفات البقرة حتى أظهر الله لهم شدة الأوصاف نتيجة عنادهم وغرورهم واستهزائهم بأحكام الله... إلى التفاصيل


وإذ قال موسى لقومه: إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة

بعد أن طلب منهم كشف حقيقة القاتل الحقيقي


قالوا: أتتخذنا هزوًا

في الحقيقة: لهم حق مؤقت في ذلك، لكن فكرة التحدث مع نبيهم بهذه الطريقة مرفوضة. لا يمكن أن يكون ساخرًا في حديثه، ولا يمكن أن يكون نبيًا من اولو العزم من الرسل بهذه الأخلاق( أي يسخر من قومه ويستهزأ بهم)وإذ قال موسى لقومه

إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة

بعد أن طلب منهم كشف حقيقة القاتل الحقيقي


قالوا: أتتخذنا هزوًا

في الحقيقة: لهم حق مؤقت في ذلك، لكن فكرة التحدث مع نبيهم بهذه الطريقة مرفوضة. لا يمكن أن يكون ساخرًا في حديثه، ولا يمكن أن يكون نبيًا من اولو العزم من الرسل بهذه الأخلاق( أي يسخر من قومه ويستهزأ بهم)


قال: أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين

ردٌّ مهذب لا يليق بعنادهم وسخريتهم


قالوا: ادع لنا ربك يُبين لنا ما هي

أولى الأسئلة المُلحة التي جعلت الله تعالى يُعاندهم في المواصفات


قال: يقول: إنها بقرة لا فارض ولا بكر، عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون

بدأت نبرة موسى - عليه السلام - تتخذ نبرةً حادةً نوعًا ما (فافعلوا ما تُؤمرون). أهم شيء: أنها بقرة، لا متزوجة قبل ذلك ولا بِكر، ولكن بين ذلك

قالوا: ادع لنا ربك يُبين لنا ما لونها

قال: إنه يقول


إنها بقرة صفراء، صفراء فاقع اللون، تُسر الناظرين

سؤالٌ مُلحٌّ جديد: قال موسى - عليه السلام - على لسان ربه: يقول إنها بقرة بثلاث صفات من حيث اللون:


أ - أصفر

ب - فاقع اللون، كأنه (فسفوري) بالطبع الله اعلم


ج - يُسرّ الناظرين

الأمر هنا مختلف: هذه جريمة قتل، ومسألة رأي عام. لماذا أراد الله تعالى للبقرة لونًا أصفر فاقعًا خاصًا لا يُنسى، يُسرّ الناظرين إليها أثناء التحقيق في قضية قتل... أمرٌ عجيبٌ حقًا.


قالوا: ادع لنا ربك يُبين لنا ما هي، إن البقر تشابه علينا، وإنّا إن شاء الله لمهتدون

هذا قمة العناد والتسويف في تنفيذ أمر الله تعالى


قال: "قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَّا شِيَةَ فِيهَا "

أي: بقرة لا تُذلّ في حرث الأرض ولا سقي الزرع، ولا عيب فيها، قالوا: الآن جئت بالحق. فذبحوها، وما كانوا ليفعلوا.أليس كل ما جاء به موسى -عليه السلام- حقًّا؟ نعم، ولكن من طبيعة بني إسرائيل أن يُعلنوا الاستهزاء، ويُعلنوا العصيان على كلام الله تعالى وأحكامه


وإذ قتلتم نفسًا فادارءتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون

أي: دفعتم القتل بعيداً عنكم، يدفعه كلٌّ منكم عن نفسه إلى غيره، ثم علق الله تعالى على الأمر في النهاية (وَاللَّهُ مُخرج ما كنتم تكتمون). أي: إن هذه المسرحية - إن صح التعبير - لم تذهب سدى. حاشا لله أن يفعل ذلك، فإن الله تعالى يُكرم عباده ما لم يستهزئوا أو يخطئوا، فيؤدبهم على ذلك ثم يُحسن إليهم مرة أخرى. فقلنا: اضربوه ببعضها. كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون. فلما ذبحت هذه البقرة التي تُسر الناظرين ضربوا المقتول بلسانها أو بغيره والله أعلم، وأراهم الله تعالى (إحياء الموتى أمام أعينهم) وأشار المقتول عند إحيائه إلى القاتل الحقيقي وهو ابن أخ المقتول، أي أن القاتل قتل عمه من أجل الميراث، ومن هذه الآية الكريمة استنبط الفقهاء المسلمين القاعدة (لا ميراث لقاتل) لأنه قتل من أجل الميراث فيُعاقَب بخلاف ما خطط له ونفذه

إطلالات حول القصة

١- لماذا يستخدم الله تبارك وتعالى دائمًا وأبدًا الحيوانات والحشرات والطيور وغيرها مما نراه بسيطًا جدًا، بينما يستخدمها سبحانه وتعالى لنصرة الأنبياء الكرام والمؤمنين الكرام؟ ما الرسالة التي يريد الله عز وجل أن يوصلها إلينا من خلال هذا؟ حمامة ظللت كهفًا عاش فيه سيدنا محمد وصاحبه لأيام وعنكبوت، وهنا بقرة، وفي سورة أخرى هدهد يبشر بالخير: هل يريد الله تبارك وتعالى أن يعلمنا من هذا شيئين، وهما:

أ- نحن نعيش في نظام كوني ولا نعيش فرادى، وهو وحده يعلم جنود ربك. قد يكون جندي الله أصغر إنسان أو أي شيء آخر يمكنك الاستهانة به ببصرتك وبصيرتك المبدعة.

ب - هل يعلمنا الله تعالى: استخدام الحيوانات في الإستخبارات، فلها فائدة، والغرب اليوم: مولع باستخدام الحيوانات في الإستخبارات، إما بزرع شريحة حربية في رؤوسها للتجسس، كالحيتان أو غيرها من الحيوانات بالطبع، والتي تستخدم مباشرة في بعض الجيوش الأوروبية المرموقة. ومن أمثلة الحيوانات المستخدمة في الحروب، على سبيل المثال لا الحصر: البغال - الجاموس البري - الببغاوات وغيرها الكثير .بالطبع الله أعلي واعلم


2 - علم الألوان: هل لاحظتم أن الله تعالى، في قضية رأي عام، يريد بقرة صفراء فاقع لونها تُسعد الناظرين، وهي مسألة قتل أحد نخبة بني إسرائيل؟ هل من سبب لذلك؟ اقرأوا معي:

من سيكولوجية اللون الأصفر

الألوان الدافئة تُثير مشاعر الطاقة الإيجابية والسعادة والتفاؤل، ولذلك تُستخدم في الرموز التعبيرية لتحفيز إفراز السيروتونين.

استخدم الصينيون والمصريون العلاج بالألوان في العصور القديمة، والمعروف باسم العلاج بالألوان، والذي تطور مع مرور الزمن وأصبح أسلوبًا من أساليب العلاج البديل يُسمى علم الألوان. في إطار طرق العلاج بالألوان، يتم استخدام اللون الأصفر لتهدئة وتنقية الجسم وتحفيز الأعصاب


توليد أفكار جديدة

استخدام مصباح أصفر اللون، أثناء التحضير للاختبار أو العمل على المشاريع، يُساعد الشخص على زيادة قدرته على التحليل أو إيجاد حلول من خلال عمليات إبداعية، أو وضع استراتيجية أو حلول للمشكلات.


تشمل الآثار الإيجابية للون الأصفر على الدماغ البشري ما يلي:

- تفكير تحليلي قوي

- زيادة مستويات النشاط العقلي

- زيادة الشعور بالوعي

الآثار السلبية

على العكس، قد يُسبب اللون الأصفر آثارًا سلبية على الدماغ لدى البعض، كما يلي:

- زيادة مستويات الانفعال

- زيادة مستويات الغضب


هل حللتم معي اختيار الله تعالى لاستخدام اللون الأصفر الفاقع في مسرح الجريمة، مما يُسرّ الناظرين لبرهة، ثم يمتزج اللون الأصفر بلون الدم الأحمر الداكن (دم الذبح) ويشاهد هذا المشهد النخبة وغيرهم من بني إسرائيل. فهل يريد الله تعالى من ذلك الآتي:


أ- استخدام علم الألوان وعلم النفس في الاستخبارات؟ لمن لا يعلم: هو شائع الاستخدام في الغرب.

ب- التحري ومعرفة الأخبار أساس الوصول إلى الحقيقة: فلا يمكن لهم الوصول إلى مواصفات هذه البقرة بسهولة، بل يبحث الجميع ويبحثون في كل مكان حتى قيل إنهم وجدوها عند أحدهم. ولما علم بحاجتهم الماسة إليها، ألزمهم دفع ثمنها ذهبًا


ج - شبهة إحياء الموتى في الغرب اليوم وتعقيدها الشديد لمن لا يعلم عنها شيئًا، هي علم التبريد، وهو سبيل إحياء الموتى - إن صحّ تعبيرهم - معقدٌ جدًا وغير مضمون. ولذلك، لو لم يتحدث الله تعالى في كتابه الأخير الذي أنزله على نبينا صلى الله عليه وسلم، بكل هذه السهولة الفعلية عن إحياء الموتى من الله تعالى، لقال قائل: سبقوا الله تعالى في شيء، والله تعالى يقول: (ما فرطنا في الكتاب من شيء).


د - القاتل الحقيقي: لم يتعرف عليه جميع الناس أثناء التحقيقات وقبلها إطلاقًا، وهذا دليل على مكره وخبثه، ودليل آخر على أنه يمكن خداع بعض الناس أحيانًا، أما خداع الجميع في جهة واحدة، فهذا مستحيل في الدنيا (والله مخرج ما كنتم تكتمون)

قصة: و لا تكونوا كالذين آذوا موسى

قال تعالي

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ ءَاذَوۡاْ مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْۚ وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهٗا (69)يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوۡلٗا سَدِيدٗا (70) يُصۡلِحۡ لَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ فَازَ فَوۡزًا عَظِيمًا

النداء للمؤمنين، مؤمني بني إسرائيل في زمن موسى عليه السلام، أم مؤمني المسلمين؟ لا، بل مؤمني المسلمين، أي أنا وأنت ونحن إن كنا مؤمنين، ومن سبقنا ومن سيأتي بعدنا: نعم يا رب النداء الحبيب وما بعده، سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، لما كان يمشي في الأسواق، إذا سمع قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا، وقف ولم يكمل سيره في السوق حتى يسمع ما يريده الله من المؤمنين، وهل انتم تفعلون ذلك؟ والأهم من ذلك: من هم الذين آذوا موسى عليه السلام قومه بني إسرائيل بالتأكيد؟ ولماذا؟ هل لأنه كان ذا طبع قاسٍ وصعب، أم لأنه كان يأمرهم وينهاهم، أم بسبب الفضائل والصفات التي كانوا يحسدونه عليها؟ لقد تعلمنا في هذه الحياة أن بعض الناس لا يكرهونك لعيوبك، بل للفضائل التي أنعم الله عليك بها... فلنبدأ بتعلم معاني الآيات الكريمة


يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى.

يا أيها الذين آمنوا، يا أيها المسلمون، لا تكونوا (هذا تحريم) كاليهود الذين آذوا نبيهم موسى عليه السلام. ثلث القرآن يتحدث عن بني إسرائيل وقصصهم. لماذا؟ بالتأكيد لأنهم سيغزون العالم في آخر الزمان لإكمال طريقهم من النيل إلى الفرات، وسيعاني المسلمون الكثير من الأذى منهم، صحيح، ولكن هل هذا كل شيء؟ لا، بل ينبغي ألا تكون صفاتكم كصفاتهم، ففي الدعاء: ربنا لا تبتلينا بما نكرهه في غيرنا، أليس كذلك؟ فما القصة إذن، كيف آذوا موسى عليه السلام: هل هو عنادهم عليهم وعدم استجابتهم لدعوات الإيمان؟ لا.

القصة باختصار

كان بنو إسرائيل يغتسلون عراة، وكان موسى عليه السلام يستر نفسه كثيرًا ويخفي جسده. قال بعض الناس: "إنه مجذوم أو به مرض". ذات يومٍ ذهب ليغتسل في عينٍ بأرض الشام، فوضع ثيابه على صخرة، فانفلتت الصخرة بثيابه، فتبعه موسى عريانًا وهو يقول: ثيابي صخرة، ثيابي صخرة، حتى انتهى إلى جماعة من بني إسرائيل (الصفوة)، فنظروا إليه، فإذا هو أحسنهم خلقًا وأعدلهم خلقًا، ولكنه لم يكن كما قالوا عنه

الآن،

كم مرة صادفتَ قصةً كهذه؟ كم مرةً نشرتَ خبرًا عن مسلمٍ يقول إنه فلانٌ، ونشرتَ الخبرَ معهم دونَ تحقّقٍ أو فهمٍ، فقط حبٌّ شديدٌ لنشرِ الأخبارِ لبغضِكَ لهذا الشخصِ (وهو مسلمٌ أصلًا). فبرّأه اللهُ مما قالوا، لهِ -تعالى- ما هو أعجوبةٌ في تبرئةِ المؤمنين. يقولُ: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}. فهل تثقُ به؟ وهل تثقُ بأنه سيدافعُ عنكَ يومًا ما في قضيةٍ ما؟ متى يدافعُ القاضي عن قضيةٍ تُعرضُ على المحكمة؟ متى تُعرضُ القضيةُ على المحكمةِ الدستوريةِ مثلًا في قضيةٍ كبرى؟ متى يتطوعُ قاضٍ بارزٌ للدفاعِ عن المتهم؟ عندما يشعرُ بالبراءةِ أو يكونُ له غرضٌ ماديٌّ مثلًا. فمتى يدافعُ اللهُ تبارك وتعالى عن عبدٍ فقيرٍ مثلي ومثلك؟ والأهم من ذلك أن الله برأه مما قالوا، وكان كريماً عند الله.


وكان عند الله وجيها

شخص وجيه

أصبح ذا مكانة مرموقة


وجه الشخص

كرّمه جعله يبرز أمام الحاضرين.

لماذا الوجه تحديدًا هو الذي تحدّث عنه الله تعالى؟ أنت خبير اليوم بما يحدث في الغرب، وربما خصوصًا عند بني إسرائيل، من أنواع التزيّن المرموق والمستوي، إذ يضعون على وجوههم قناعًا من السيليكون للوجه والصدر، أو من مادة اخري تدعي فاربر كربون ويغيّر المظهر تمامًا من شخص لآخر، لكن الوجه الطبيعي الذي خلقنا الله تعالى به هو هوية، هو أنت، هو ما يميّزك عن غيرك، فلا الاسم ولا الجسم ولا قصة الشعر تُميّزك عن غيرك، لو لاحظت، جميع النساء الغربيات وبعض العرب لديهنّ نفس الشكل والملامح، نفس قصة الشعر ونفس مقاس الجسم، إذا رأيتهنّ من الخلف لا تستطيع التفريق بينهنّ مطلقا، ما يميّز الشخص عن الآخر في الواقع هو شكل الوجه الذي اشتهر به، وليس من خضع لعملية تجميل. سأروي لكم قصة حقيقية. كان هناك رئيس أمريكي: طلب من مساعديه إحضار شخص مؤهل جدًا ليساعده في مهمة خاصة، فأحضروا له صورة شخص مؤهل جدًا، فرفضه، وعندما سألوه عن سبب رفضه، قال: لا يعجبني وجهه، فتذمروا وقالوا: ما ذنبه في وجهه؟ قال: بعد الأربعين، يكون الإنسان مسؤولًا عن وجهه قبل الأربعين... أي أن الأربعين الأولى من حياتك هي عندما تبني الوجه الذي تمشي به بين الناس بعد الأربعين.


سأروي لكم قصة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أيضًا

عندما دخل المدينة مهاجرًا، ما أول ما قاله أحبار اليهود عنه؟ فعرفت أن هذا ليس بوجه كذاب، وكان بعد الأربعين أيضًا.

نعود إلى قصة موسى عليه السلام: لا تُنال الأنبياء النبوة إلا بعد سن الأربعين، فيقول الله تعالى: كَانَ عِنْدَ اللَّهِ وجيها: أي حَسَنَ الْوَجْهِ، فَأَبْغَضُوهُ وَتَنَادَوْا عَلَى عَيُوبٍ لَيْسَتْ منه في شَيء

بدلًا من هذا السلوك

ماذا يا رب؟ ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا)

ما القول السديد إذًا؟ الصحيح، السليم، • قضى ماله: أحسن فيه • قضى دينه: أدى ما عليه. فما تظن أن القول السديد إذًا؟

يا أخي، أعمالنا عند الله تبارك وتعالى ليست كاملة، بل هي ناقصة بسبب الغيبة والنميمة والحسد الذي يأكل الحسنات، والحالقة: وهو الحقد الذي لا يحلق الشعر ولكنه يحلق حسناتك حلقا، نحن في أمس الحاجة إلى الله تبارك وتعالى أن يصلح أعمالنا، وليس ذلك فحسب، بل يغفر لنا ذنوبنا. من لم يذنب قط ومن له الحسني فقط إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا. وانتهى الأمر

آخر سنوات موسى عليه السلام

ذكر أهل السير والمؤرخون أمر موسى عليه السلام وقومه بعد أن أمره الله تعالى بالسير معهم إلى بيت المقدس. وذكروا أنهم لما قربوا منه، اختار موسى عليه السلام اثني عشر رجلًا من قبائلهم ليأتوه بخبر الجبارين الساكنين في بيت المقدس. وبعد أن ذهبوا حيث أمرهم، لاقاهم جبار، فأخذهم أحدهم إلى امرأته وأخبرها أنهم زعموا أنهم ينوون قتلهم، وأنه يريد أن يدوسهم بقدمه. منعته وطلبت منه أن يطلق سراحهم ليخبروا قومهم بما رأوه. فاتفق الاثنا عشر رجلًا على إخفاء ذلك عن بني إسرائيل. فنقض عشرة منهم العهد ولم يخبروا قومهم بما رأوا، وكتم اثنان منهم الخبر عن بني إسرائيل ولم يخبرا إلا موسى وهارون عليهما السلام، عندما طلب منهم موسى عليه السلام دخول الأرض المقدسة، امتنعوا عن السير خوفًا من القوم الظالمين. قال الله تعالى: (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين. قالوا يا موسى إن فيها قومًا جبارين ولن ندخلها ابدا حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون). فغضب عليهم موسى عليه السلام ولعنهم الله فعاقبهم الله تعالى بالتيهان أربعين عامًا. ندم موسى عليه السلام على عدم إحضار الطعام معهم، فأنزل الله عليهم المن والسلوى. وتؤكد الروايات أن موسى عليه السلام بقي في التيهان يأمر قومه بالمعروف وينهاهم عن المنكر. ثم مات أخوه هارون عليه السلام في البرية.

وفاة موسى عليه السلام

متى توفي موسى عليه السلام؟

توفي عليه السلام في البرية بعد وفاة أخيه هارون عليه السلام بثلاث سنوات، وكان عمره مئة وعشرين عامًا، وقيل مئة وثمانية عشر عامًا

بعد وفاة موسى عليه السلام

عيّن الله تعالى يوشع بن نون، فتى موسى عليهما السلام، خليفةً له على بني إسرائيل بعد وفاة موسى عليه السلام، وبعد أن انقضت فترة التيه، خرج معهم متجهًا إلى البيت الحرام، دخول الأرض المقدسة على يد نبي الله يوشع بن نون عليه السلام، أمرهم الله بدخولها ووعدهم بالنصر، لكنهم رفضوا الدخول، وقالوا: {قَالُوا يَا مُوسَى لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامَوْا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (المائدة: ٢٤). فنالوا غضب الله وعوقبوا بالتشريد والضياع أربعين عامًا. بعد أن انقضت فترة العذاب وخرجوا من البرية، أمر الله نبيه يوشع بن نون عليه السلام باستئناف القتال لفتح الأرض المقدسة وهزيمة أهلها. فجمع يوشع عليه السلام من بقي من قومه وقاتلهم أربعة أيام حتى انتصروا، وأنعم الله عليهم بالفتح.

بعد انتهاء الحرب

أوحى الله إلى نبيه يوشع عليه السلام أن يدخل الأرض المقدسة من بابها فاتحين لله شاكرين له على نعمه وفضله، خاضعين له في ساعة النصر والغلبة. وجاء الأمر الإلهي لقوم يوشع عليه السلام أن يدخلوا المدينة سجدًا لله، مستغفرين له على ذنوبهم. ورغم ذنوبهم، ندموا على رفضهم القتال في المعركة الأولى - في عهد موسى عليه السلام - بوعد إلهي بالخير وبركة إباحة خيرات تلك البلاد. قال الله تعالى: {وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدًا وقولوا اغفر لنا}. {يغفر لكم ذنوبكم وسنزيد المحسنين} (البقرة: 58)، وقال الله تعالى: {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَٰذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ ۚ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161) فعصوا ما أُمروا به من قول وفعل، فبدلاً من السجود لله دخلوا المدينة يزحفون على أدبارهم، وبدل أن يقولوا "استغفروا" كما أمرهم الله، قالوا "حبّة في شعرة"، وهو قمة الشر والاستخفاف بجلال الله. فما ربحوا من هذا الفعل القبيح والقول الشنيع إلا أنهم استحقوا غضب الله وعقابه، فأنزل عليهم عذاباً من السماء جزاءً لهم على فجورهم وضلالهم، مع ما ينتظرهم يوم القيامة من عذاب جهنم.

المغزى

١- كان من بين الناس أناس صالحون، لكن العقوبة لم تشملهم لقيامهم بواجبهم في إنكار المنكر. قال الله تعالى: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَيَعْدِلُونَ} (الأعراف: ١٥٩).

٢- تدل القصة على ما ينبغي أن يكون عليه سلوك الفاتحين، من التواضع لله وعدم التكبر والكبرياء، كما كان حال نبينا -صلى الله عليه وسلم- حين دخل مكة مطأطئ الرأس حتى كاد ذقنه أن يلامس راحلته.

٣- غضب الله: وهو الطاعون، واستدلوا بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن هذا الوجع -يعني الطاعون- عقوبة أو بقية من عذاب أوذي به الناس قبلكم) رواه مسلم، وليس في النصوص والآثار ما يدل على المراد، ومهما كان نوع العذاب فلا شك أنه كان شديدًا ومتناسبًا مع فداحة جريمتهم.

٤- يذكر اليهود أنهم دخلوا الأرض المقدسة من جهة نهر الأردن.

Meeting the Pharaoh and saving the Children of Israel or meeting Moses with Pharaoh and his entourage

Allah says

وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ ۚ أَلَا يَتَّقُونَ

And when your Lord called to Moses, "Go to the wrongdoing people (10) - the people of Pharaoh. Will they not fear God?"


The Lord of the Worlds began by calling Moses - peace be upon him - to go to Pharaoh and his entourage: the Copts (the people of Egypt) or his ministers, princes and others, and He called them the oppressors. The worst thing you will see in this life are the oppressors. Allah the Almighty may be lenient with the disbelievers until their death, so, He gives them and increases them, but then He will not be lenient with them if they die in their polytheism. As for the oppressors, even if they are Muslims, Allah the Almighty will not be lenient with them, neither in this world nor in the Hereafter. He may hold them accountable for their injustice in this world, or He may delay it for them in the Hereafter, according to its abundance or scarcity, the number of those oppressed in it, the number of those oppressed among them, and their resolve with Allah. But Allah, the Blessed and Exalted, is in the beginning and the end: He does not love the oppressors, nor does He grant them success, their punishment is either postponed or hastened, and the hastening is a lesson for those who consider. The people of Pharaoh will be their lesson throughout time and space for their tyranny and severe oppression to the Children of Israel, whom Allah honored and who followed Moses with the first message revealed to him. Moses, peace be upon him, knew who the oppressors, the people of Pharaoh, were. Why did Allah, the Blessed and Exalted, not mention that they were the Copts (the inhabitants of Egypt)? And why did He attribute them to Pharaoh? It is said that people follow the religion of their kings, and if you notice that the Copts (the inhabitants of Egypt) were completely comfortable with the suffering of the Israelites before their eyes and all that occupied their thoughts: that Pharaoh would not make their sons work in hard labor instead of the males of the Israelites when Pharaoh exterminated them by systematically killing them out of fear for his kingdom.


Allah says

قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ (13)

He said, "My Lord, indeed I fear that they will deny me (12) and my chest will become constricted and my tongue will not be fluent, so send to Aaron (13)"


Did Moses, peace be upon him, intend to hesitate and not go to meet the unjust people out of fear of them, and present his hesitation to God, Lord of the Worlds? No, rather, he lived with them and knew that they were a stubborn people who would deny him. This is in addition to the fact that Moses, peace be upon him, was often emotional, and when he became emotional, he would stutter in his speech. These verses revealed to Moses, peace be upon him, were merely a presentation of his situation to the Lord of the Worlds, so, he proceeded without fear. And God is Most High and All-Knowing. In another verse, He said about his brother Aaron: "He is more eloquent than me." This is a sound heart (Moses, peace be upon him). It has been said that he is better than anyone's guardian (Moses' guardianship of his brother Aaron as his assistant in the message), and this is evidence of the purity of his heart and his self-confidence. He has talents that cannot be overlooked: his physical strength and his trustworthiness, but he lacks eloquence, so, he sought help from his brother. Yes, we humans were sent as enemies of one another (except the righteous). The righteous, wherever they are: support each other, not fight each other. We came to complement each other, not to compete.


Allah says

وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ (14)

And they have a sin against me, so I fear that they will kill me (14).


Moses, peace be upon him, killed the Copt (one of the king's cooks, as it was said, from the people of Egypt) before he left Egypt.


Allah says

قَالَ كَلَّا ۖ فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا ۖ إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ (15)

He said, "No! Go, both of you, with Our signs. Indeed, We are with you, listening." (15)


Allah says

فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16)

So go to Pharaoh and say, "Indeed, we are messengers of the Lord of the worlds." (16)

Go, you and your brother, and say to Pharaoh, "Indeed, we are messengers of the Lord of the worlds."


Allah says

أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ

Send the Children of Israel with us.


Where will He send them? No one knows yet. All they know is that they are being held in a large, open prison, tortured day and night, in full view of the Egyptians. Human nature: After a period of experiencing painful, agonizing scenes (getting used to the scene) and no one doing anything about the torturers, God Almighty wants to bestow His blessings upon the weak so that they do not remain weak throughout their lives. Anyone who has lived in human slavery, even if it is modern slavery such as unpaid work to pay off debts, knows that anyone freed from slavery (of any kind, ancient or modern) requires long-term psychological treatment, and so they seek another sponsor or master to enslave them.


Allah says

(قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين)

(He said, "Did we not raise you among us as a child, and did you not remain among us for years of your life?")

Then Pharaoh mocked Moses for his upbringing, saying, "Did we not raise you among us as a child when you came to his palace in a coffin across the Nile, and did you not remain among us for years of your life?" And companionship is only easy for bastards, as they say. But can an oppressor have good companionship? Is it considered just for him to give me something while depriving thousands of them of their legitimate rights? Kind souls are not content with the suffering of others, even if they are pampered and lack nothing. The idea itself is difficult to comprehend.


Allah says

وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19)

And you did what you did, and you are among the disbelievers (19).

That is, you killed the Copt. The Copts were also slaves to Pharaoh, but of a different kind: intellectual enslavement, as they believed in Pharaoh's divinity. As for Pharaoh's statement, "And you are among the disbelievers," killing one of Pharaoh's slaves (the Copt, if the expression is correct) implicitly indicates his disbelief in Pharaoh's divinity.


Allah says

قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21)

He said, "I did it then, and I was among those astray. (20) So, I fled from you when I feared you. So, my Lord granted me wisdom and made me one of the messengers." (21)


He said to him, "I did that, and I was not then among the guided ones." (Murder is forbidden in all divine religions, even the religion of Joseph, the last of the divine religions on earth before the religion of the Jews - as far as we know -) so, I fled from you out of fear for myself from you, so, God granted me (wisdom + prophethood, and made me one of the messengers: the message to the Children of Israel)."


Allah says

وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22)

And that is a favor You bestow upon me, that You have enslaved the Children of Israel (22).


Then Moses, peace be upon him, said to Pharaoh: Are you granting me a favor by making my life a kingdom (the king's son) and giving me and granting me, while enslaving an entire nation (the Children of Israel)? It is as if he is saying to him: This is not a fair division, for I am one among thousands.


Allah says

قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ (24)

Pharaoh said: And what is the Lord of the worlds? (23) He said: The Lord of the heavens and the earth and what is between them, if you should be certain. (24)


Pharaoh asked: Who is the Lord of the worlds? Moses said: The Lord of the heavens and the earth and what is between them, not the Lord of palaces and wealth and so on. Then he concluded his speech with (if you are certain)


Allah says

قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27)

He said to those around him, “Do you not listen?” (25) He said, “Your Lord and the Lord of your forefathers of old.” (26) He said, “Indeed, your messenger who has been sent to you is mad.” (27)

Pharaoh said to the elite of Egypt surrounding him, "Do you not hear? God is your Lord and the Lord of your fathers." Then he pointed to Moses, peace be upon him, and said he was crazy. This is the basic argument used to attack all the messengers with "madness," even though they were among the most rational and perfect intellects of people. God Almighty said:


Allah says

قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (28)

He said, "Lord of the East and the West and whatever is between them, if you would understand." (28)

Then Moses, peace be upon him, offered another rational argument: "The Lord of the East and the West and whatever is between them, if you would understand."


Allah says

قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَٰهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29)

He said, "If you take a god other than Me, I will surely put you among the imprisoned." (29)

Pharaoh replied: "If you take a god other than Me (Pharaoh, the god), I will imprison you." This was the least Pharaoh could do, as he enslaved thousands of the Children of Israel where he was publicly tortured (an open prison for the Children of Israel: of course, a metaphor).


Allah says

قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ (30) قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31) فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (33)

He said, "What if I bring you something clear?" (30) He said, "Then bring it, if you should be of the truthful." (31) So, he threw down his staff, and behold, it was a serpent evident. (32) And he withdrew his hand, and behold, it was white to the observers. (33)

Moses, peace be upon him, began the divine performance for which he had trained on the blessed Mount Tur, and God Almighty's will was fulfilled at a specific and divinely ordained time.

Moses, peace be upon him, began the divine performance he had trained for on the blessed Mount Tur. The will of God Almighty was fulfilled at a specific and divinely ordained time.

Allah says

قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35)

He said to the assembly around him, "This is a learned magician (34) who wants to expel you from your land by his magic. So, what do you command?" (35)


We previously stated that the assembly is the one who fills the eyes with splendor and magnificence, filling the first gatherings at conferences and other gatherings. So, Pharaoh said to these assembly, "This is a learned magician." Why did he accuse him of magic? We also said previously that the Egyptians excelled in magic and alchemy, and magicians were also among the elite. God did not deny his knowledge, but rather said, "A knowledgeable magician," meaning, "He has a powerful craft." This was a way to instill doubt in the hearts of those around him from the elite about Moses, peace be upon him. Then, he said to them with another mental trick: "He wants to expel you from your land (Egypt) with his magic, so, what do you command?" Do you know what made the elite doubt Moses? He made them doubt his desire for them to leave Egypt. Egypt was a rare civilization at that time, so much so that the Holy Quran spoke of the lands surrounding Egypt as Bedouins in Surat Yusuf (...and brought you from the Bedouins), so, that they would understand that they would be giving up the splendor in which they lived for a primitive life. Not only that: but our master Muhammad Metwally Al-Shaarawy used to say about this verse: The Egyptians are among the peoples of the earth who are most attached to their land, even if they are strangers to it. The Nile River is the life of the Egyptians, and they love to live in its shade as long as they live.

Allah says

قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37)

They said, "Postpone him and his brother, and send gatherers among the cities (36) to bring to you every learned magician." (37)

Then the leaders, fearing for their positions, said, "Postpone Moses and his brother for a while, and send to all the cities of Egypt until they bring to you every learned magician." That is, if Moses had been a learned magician who knew his craft, numbers would have overwhelmed courage, and his secret would have been exposed.


Allah says

فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (38) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ (39) لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (40) وإن يكن كاذباً فعليه كذبه وإن يكن صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم

So, the magicians were gathered for an appointed time on a known day. (38) And it was said to the people, "Are you going to gather together?" (39) Perhaps we will follow the magicians if they are the ones who will prevail. (40) And if he is a liar, then upon him is his lie. But if he is truthful, some of what he promises you will befall you.


The argument of the believer from the family of Pharaoh: Against Pharaoh and his entourage

It seems that belief in God Almighty has requirements at some point in your journey of faith, and your silence, your brokenness, and your tireless work. God Almighty does not neglect this, and He will not disappoint the expectations of the believers. He may bring your work from the foundations and turn it into scattered dust. Every action is according to its intention. The most important thing is: A man from the family of Pharaoh said, and imagine the scene: The family of Pharaoh gathered around The Nile River, they ate the finest food and wore the finest clothes, and the servants walked right and left, and this faithful man stood in the middle of the elite and said: (And a believing man from the family of Pharaoh, who concealed his faith, said: “Would you kill a man because he says, ‘My Lord is Allah,’ and he has come to you with clear proofs from your Lord?”) How beautiful this rational speech is, if he was a liar, then the cycle of lying would return to him alone, and if he was truthful, then everyone would benefit from him (some of what he promises you will befall you), that is, as they say: Give him a chance.


Allah says

إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ

Indeed, God does not guide one who is a transgressor and a liar


God does not guide one who is a transgressor and a liar. Know that if God Almighty had known that Moses was a liar, He would not have guided him or granted him success, because God does not guide one who has gone too far in sin or has habitually lied.


Allah says

يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِن جَاءَنَا

O my people, yours is the kingdom this day, dominant upon the earth. But who will protect us from the wrath of God if it comes to us?

O my people, yours is the kingdom this day, dominant upon the earth. So, who will protect us from the wrath of God if it comes to us? Then He warned them that the days are cyclical. If what Moses said is true, then today you feel strong and sovereign, and everything is under control. But tomorrow, who will protect us from the wrath of God if it comes to us? The beautiful thing about this is that the believer of Pharaoh's family was very humble, and he included himself among the unbelievers so, that they would feel that he was no better than them.


Allah says

قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ

Pharaoh said, "I only show you what I see, and I only guide you to the path of right conduct."

Amidst this rational and wise tone, Pharaoh appeared with a profoundly dissonant tone: "I only show you what I see, and I only guide you to the path of right conduct." I wish these words were appropriate, but unfortunately, they are not.


Allah says

وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ ۚ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ (31)

And the one who believed said, "O my people, indeed I fear for you something like the Day of the Confederates (30) - like the way of the people of Noah, 'Aad, and Thamud, and those after them. And God does not intend injustice for His servants." (31)

Then the believer from Pharaoh's family warned them of the evil consequences of previous nations. They were still new to Joseph, peace be upon him - the Prime Minister or Minister of Finance at the time - and he had a divine religion that called people to monotheism. He followed that by saying, "Indeed, God does not intend injustice for His servants."


O my people, indeed I fear for you the Day of Calling (32) The Day when you will turn back, departing. You will have no protector from God. And he whom God sends astray, for him there is no guide. (33)












Recent Posts

See All
Abraham - PBUH - سيدنا ابراهيم

من هو إبراهيم عليه السلام؟ هو إبراهيم بن تارح "250"، بن ناحور "148"، بن سروج "230"، بن راغو "239"، بن فالج "439"، بن عابر "464"، بن شيلح...

 
 
 
Dawud, PBUH سيدنا داوود

The J ust King Dwwud, peace be upon him Just kings are rare in this life, and even in the Quran they did not exceed 4 or 5 kings, and...

 
 
 

Commentaires

Noté 0 étoile sur 5.
Pas encore de note

Ajouter une note
bottom of page